تغريدات أطلقها النائب وزعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط أمس (الجمعة)، تلت مقالاً نشرته صحيفة «اندبندت» البريطانية، وكشفت قصة معرض أقامه الرسام البريطاني توم يونغ في بيروت قبل أسابيع قليلة عن أحد البيوت التراثية في العاصمة اللبنانية، لكنه مُنع خلاله من عرض رسوم لشخصيات تاريخية سبق لها أن أقامت في البيت أو زارته في مناسبات مهمة. والبيت المعني هو البيت الزهري، أو «مركز الزاهر» مثلما تسميه مؤسسة «دار الأيتام الإسلامية» الخيرية التي تملكه حالياً، ويقع في منطقة الظريف في قلب بيروت. وتعاقب على المنزل الذي بني في العام 1920 عدد من المالكين، وكان مقراً للموفد البريطاني إلى الشرق الجنرال إدوارد سبيرز الذي كان أحد أطراف المفاوضات التي شاركت فيها فرنسا وأدت إلى استقلال لبنان. وكان بين الذين زاروا المنزل خلال المناسبات التاريخية الرئيس اللبناني الأول بعد الاستقلال بشارة الخوري وخلفه الرئيس كميل شمعون ورئيس وزراء حكومة الاستقلال رياض الصلح، وممثل الجنرال شارل ديغول في لبنان خلال الحرب العالمية الثانية الجنرال جورج كاترو، وكثر غيرهم. وقال جنبلاط في إحدى تغريداته «لماذا محاولة محو الذاكرة؟» وأرفقها بصورة «للرسومات التي منعت من أن تعرض في البيت الزهر». وتساءل في تغريدة ثانية «لماذا أصحاب البيت الزهري يحرمون اللبنانيين من معرفة تاريخهم؟ ألم يكن سبيرز أحد صانعي الاستقلال؟». وقصة المعرض كما رواها الرسام يونغ ل «الحياة» أن صديقاً لفت اهتمامه إلى المنزل وقدما سوياً عرضاً إلى «دار الأيتام» للتعاون في إقامة معرض رسوم للمنزل يشارك فيه أطفال من الدار، تحت عنوان «بيروت الذاكرة والحلم». ولاحقاً وجد يونغ، بعد قراءات، أن للمنزل تاريخاً حافلاً وأنه شهد الكثير من الأحداث واللقاءات التاريخية المتعلقة بلبنان، فقرر أن يضيء على هذا الجانب وأن لا يقتصر معرضه على الجانب المعماري والجمالي للمنزل، لأنه اعتبر الأمرين مترابطين. ويضيف يونغ أنه حاول بكل السبل إيضاح أن التاريخ سابق على السياسة وأنه أعلى منها مرتبة، وأن إلقاء ضوء عام على التاريخ لا يعني الدخول في السياسة أو الوقوع في تفاصيلها، وأكد أنه يقترح رسوماً لشخصيات تاريخية عامة سكنت المنزل أو زارته من دون التركيز على أي دور سياسي لعبته، والهدف إبراز الأهمية التاريخية للمنزل إلى جانب أهميته كرمز تراثي بيروتي. وبعدما وافقت لجنة شكلتها الدار للإشراف على المعرض، فؤجئ يونغ برفض القيمين على المؤسسة إدراج أي موضوع «يتعلق بالسياسة» وعرض أي لوحة تشير إلى شخصيات سياسية، لأن الدار مؤسسة خيرية «ولا يمكنها أن تسمح بتناول مواضيع قد تثير الانقسام أو الجدل». لكنه عاد واستطاع إقناع مدير الدار الوزير السابق خالد قباني بصحة وجهة نظره، ونال موافقته على رسم لوحات للشخصيات التاريخية. وبعدما سمح له بوضع رسوم لهذه الشخصيات انطلاقاً من صور فوتوغرافية قديمة، عاد المنع مجدداً قبل أسبوعين من الافتتاح ولم يسمح له بعرضها، بل وضعت في مكتب مدير المؤسسة الوزير السابق خالد قباني، بعيداً من الجمهور. قرر يونغ الاستمرار في المعرض على رغم استيائه، ولاقى عمله إقبالاً واستحسانا. لكنه في قرارة نفسه ظل يعتبره ناقصاً، مع أنه بذل جهداً كبيراً لمحاولة تفهم وجهة نظر «دار الأيتام» التي تعاونت معه كثيراً في إقامة المعرض وقدمت له تسهيلات كبيرة. وأوضح أنه قرر إقامة معرض لاحقاً هذا العام للجمع بين القيمة الجمالية والتراثية للمنزل وبين قيمته التاريخية التي تشمل مفاوضات بين المندوبين الفرنسي والبريطاني وشخصيات لبنانية حول استقلال لبنان في العام 1943.