أجرى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمس اتصالاً هاتفياً برئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط معزياً إياه بوفاة والدته السيدة مي ارسلان جنبلاط. والراحلة أرملة الزعيم اللبناني كمال جنبلاط، وابنة المفكر والمناضل الاسلامي والعربي الراحل شكيب أرسلان الذي اشتهر بلقب «أمير البيان» وناضل في سبيل العروبة وفلسطين، ويشيع جثمانها اليوم في مأتم رسمي وشعبي الى مثواها الأخير بجوار ضريح زوجها في المختارة. وغص منزل جنبلاط في بيروت بالمعزين فور اعلان نبأ وفاة والدته، فيما انتظرت المختارة عودة جثمانها من مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت حيث خضعت للعناية الطبية أشهراً عدة قبل وفاتها. وحمل نعش الفقيدة على الأكف قبل ادخاله الى قصر المختارة لالقاء نظرة الوداع. واتصل معزياً بجنبلاط الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الثقافة والاعلام في المملكة العربية السعودية عبدالعزيز خوجة، الأمير الوليد بن طلال، الرئيس التركي السابق سليمان ديميريل، الأمير فيصل بن سعود بن محمد الكبير، زعيم «تيار المستقبل» الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والنائب ستريدا جعجع. وتلقى جنبلاط التعازي في منزله في كلمينصو والى جانبه النائب طلال ارسلان قبل ان يواكب الجثمان في رحلته الاخيرة الى المختارة. وكانت محطات وداع شعبية في البلدات والقرى التي عبرها الموكب، اذ انزل النعش في بعض المحطات وحمل على الاكف تكريماً للراحلة. ووقف الى جانب جنبلاط زوجته نورا وأولاده: تيمور (الذي عاد من فرنسا) وأصلان وداليا، وباقي افراد العائلة لاستقبال المعزين. واتصل رئيس الجمهورية ميشال سليمان بجنبلاط معزياً، فيما حضر رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى المنزل ووقف الى جانب جنبلاط وشيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نعيم حسن، وارسلان ووزراء «جبهة النضال الوطني» وقيادة الحزب «التقدمي» والمفوضين ووكلاء الداخلية لتقبل التعازي. ومن أبرز المعزين: رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي والرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام، وزير البيئة ناظم الخوري، ونواب سابقون وممثل الأمين العام للأمم المتحدة ديريك بلامبلي، المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، السفير السعودي علي بن عواض عسيري والسفير البريطاني طوم فليتشر. كما حضرت لتقديم العزاء قيادات أمنية وعسكرية وقضائية وديبلوماسية ونقابية واجتماعية ووفد من الامانة العامة لتحالف قوى 14 آذار ضم النائبين السابقين فارس سعيد وسمير فرنجية ووفد من حركة «التجدد الديموقراطي» يتقدمه سمير لحود. وفي المختارة، أُقيم استقبال شعبي لجثمان الفقيدة وتقدم المعزين رجال دين ووزراء ونواب المنطقة وشخصيات الحركة الوطنية سابقاً وابرزهم الامين العام لمنظمة العمل الشيوعي محسن ابراهيم وتوفيق سلطان وفؤاد شبقلو. ومن أبرز الذين حضروا للتعزية في المختارة الرئيس أمين الجميل ونواب حاليون وسابقون. تقدمية... في حياتها اليومية ولدت الراحلة عام 1928 في لوزان بسويسرا حيث كان والدها، شكيب أرسلان، منفياً بقرار من الانتداب الفرنسي لأفكاره الاستقلالية. وعام 1939 أرسلها الأمير شكيب إلى لبنان مع شقيقتها نظمية (ميمي) وشقيقها غالب لتتلقى تعليمها في المدرسة الفرنسية العلمانية، وبقيت فيه لاندلاع الحرب فتولى رعاية الثلاثة عمها «أمير السيف والقلم» عادل أرسلان. ثم تابعت دراستها في فرنسا. تزوجت عام 1948 كمال جنبلاط الذي تعرفت إليه بمبادرة من صديقه الأديب الراحل أمين نخلة عام 1945، بعد أن أعجب بثقافتها. وعقدا قرانهما بعد سنة على وفاة والدها، في جنيف، مدنياً، في سابقة بالنسبة الى أبناء جيلهما. ورزقا عام 1949 ابنهما الوحيد وليد. برحيلها يغيب عن لبنان أحد الوجوه النسائية القليلة التي لعبت دوراً مؤثراً من وراء الستار في السياسة اللبنانية، من خلال الزعامة الجنبلاطية وعلى صعيد الجبل، من خلال قوة شخصيتها واتساع ثقافتها وصلابة عقيدتها العروبية، هي التي شغفت بالقراءة والمطالعة باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية. من عرفوها من قرب يسجلون أنها كانت تقدمية يسارية في أفكارها، ومارست قناعاتها في حياتها اليومية. وبموازاة حبها للحياة وإحياء التراث والانفتاح على الثقافة الغربية وشغفها بالسينما وحضور الأفلام، اهتمت بالفقراء والأوضاع الاجتماعية للناس. ويروى عنها أنها فيما كانت تستقبل ضيوفاً لها إلى الغداء في المختارة حضروا في سيارة أجرة، نزلت من المنزل لتطلب الى السائق «أنْ تفضَّلْ إلى الغذاء فعند آل جنبلاط لا أحد ينتظر في السيارة». ويقول هؤلاء إن السيدة مي جنبلاط كانت اشتراكية في ممارساتها العادية. وكانت ريادية في إحياء التراث اللبناني، لا سيما فن الحياكة النسائية بالصنارة فأقامت عام 1974 أوسع معرض للأعمال اليدوية في بيروت أدى إلى تشغيل الحِرَفيات من كل أنحاء لبنان. بعد اغتيال كمال جنبلاط أعادت تجديد قصر المختارة، وبعد حرب الجبل أشرفت على ترميم قصر بيت الدين وإعادة تأثيثه بالكامل بدعم من نجلها. ولعبت بعيداً من الأضواء دوراً كبيراً في المشورة له بعيد تسلمه الزعامة فكانت علاقتهما وثيقة جداً. وتولت الإشراف على تربية أحفادها اثناء الحرب اللبنانية حين تنقلت العائلة بين سورية والأردن وروما. في الأشهر الأخيرة من مرضها لازمها وليد جنبلاط كل يوم وكان يجالسها ساعات حتى المساء قبل أن تخلد للنوم. وفي عدد من هذه الجلسات استعاد معها بعض لحظات التاريخ الذي واكبته، من ذاكرتها التي اختزنت الكثير من الأحداث.