في محاولة جدية ومفصلية للبحث في قانون الانتخاب الجديد ترأس رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري اجتماعاً للجنة الوزارية المكلفة وضع هذا القانون بناء على جوجلة المشاريع الانتخابية التي يتم التداول فيها على قاعدة سحب المشروع التأهيلي الذي كان اقترحه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، بسبب كثرة الاعتراضات عليه، وحصر البحث في اعتماد النظام النسبي على أساس تقسيم لبنان ما بين 13 و15 دائرة انتخابية مع إبقاء الصوت التفضيلي في القضاء. ومع أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري استبق انعقاد الاجتماع الثاني للجنة الوزارية مساء أمس في السراي الكبيرة بقوله أمام زواره إن الأزمة ليست دستورية وإنما سياسية، محذراً من أي مشاريع انتخابية تشتمّ منها رائحة التقسيم أو الفيديرالية السياسية، فإن اللقاء الذي عقد في وزارة المال قبل اجتماع اللجنة وضم الوزير علي حسن خليل ونائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري، جاء بمثابة محاولة للتوافق على خريطة الطريق الواجب اتباعها في اللجنة الوزارية لإنتاج قانون انتخاب جديد قبل 15 الجاري، وهو الموعد الذي حدده الرئيس بري لعقد جلسة تشريعية. وعلمت»الحياة» أن الرئيس بري يميل إلى تأجيل الجلسة رغبة منه في إفساح المجال أمام مزيد من المشاورات لعلها تثمر في نهاية المطاف التوافق على قانون انتخاب جامع يحظى بتأييد المكونات الأساسية والطائفية في البلد. وتردد أن رئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط حسم أمره حيال قانون الانتخاب، وهذا ما أبلغه إلى أكثر من طرف، بأنه لا يمانع تقسيم لبنان 15 دائرة انتخابية شرط دمج قضاءي الشوف وعاليه في دائرة واحدة تمهيداً لاستحداث محافظة جديدة في جبل لبنان تضم هذين القضاءين. كما تردد أن جنبلاط لا يمانع تأييد الصوت التفضيلي في القضاء مشترطاً في الوقت ذاته أن يتلازم الاتفاق على قانون الانتخاب مع الإقرار بتشكيل مجلس شيوخ برئاسة درزي. إلا أن شبه الإجماع على اعتماد النظام النسبي يفتح الباب أمام مواجهة عقدة رئيسة تتعلق بتقسم الدوائر الانتخابية، وهذه العقدة تشمل بيروت والجنوب والشمال إضافة إلى البقاعين الأوسط (زحلة) والغربي حيث أن «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات» يقترحان نقل المقعد الماروني من البقاع الغربي إلى جبيل، وأيضاً نقل مقاعد نيابية أخرى، بما فيها من بيروت، وهذا لا يزال يشكل نقطة خلاف. أكد الرئيس اللبناني ميشال عون أمام زواره أمس، أن «قانون الانتخاب المزمع التوافق حوله، هدفه أن يصل الجميع إلى حقوقهم، لا الكسب على حساب الآخر». وقال: «في المدة الأخيرة، اتّخذ الأمر طابعاً مؤسفاً، عندما اتُهم المشروع التأهيلي بالطائفي، ما دفعني إلى التطرق للأمر في مجلس الوزراء، حيث طرحت سؤالاً حول الغاية من تغيير قانون الانتخاب، أليس الهدف منه تحقيق عدالة التمثيل وتحسينه؟ من هنا أسأل اليوم: لِمَ سقطت كل مشاريع القوانين عند التحاور حولها؟ أوليس لأن كل طرف يسعى إلى تحقيق مصلحة طائفته على حساب الآخرين، باحثاً عمّا سيكسب له ولطائفته من المشروع، على حساب مصلحة الوطن؟». وعدد عون «ثلاثة أسباب رئيسية حالت دون اعتماد أحد المشاريع المطروحة: الأول أن كلّ من هيمن على طائفته لا يريد للأقلية فيها أن تتمثّل ولا أن تكون هناك كتلة معارضة شعبية مكشوفة. والثاني أن البعض يخاف من تغيير موازين القوى. ومن الطبيعي أن تتغير هذه الموازين وإلا كنا أبقينا على قانون 1992 أو القانون المعروف باسم قانون غازي كنعان. يبقى السبب الثالث، وهو أن كلّ طرف يريد تناتش بضعة نواب من عند جاره. ولأن المسيحي هو جار الكلّ، وقعت المشكلة لأننا نحاول أن نردّ أكبر عدد من الحقوق إلى أصحابها. هذا الموضوع أثرناه وقلنا إنه ليس بموضوع طائفي، بل هدفه تحقيق العدالة والمساواة». أضاف: «يريدون اليوم قانوناً على أساس النسبية لكن من دون ضوابط، نحن نطالب بإيجادها، ومنها التأهيل، لوصول الأكفياء الذين يمثلون طوائفهم، ومنفتحون على أي طرح يحقق فعلاً هذه الأهداف». الحريري أما الحريري فقال بعد لقائه عون في قصر بعبدا إنه كان «للتشاور في كل الأمور التي تحصل. وأريد أن أؤكد أمراً واحداً، وهو أن الأجواء السلبية السائدة لا تبني قانوناً، بل الإيجابية، فعرض العضلات أو محاولة حشر فريق سياسي معيّن لا يفيد، وجميعنا يعلم أننا سنصل في مكان ما إلى حلول متقاربة، ولا أحد يرغب بالفراغ، لا الرئيس ولا الرئيس بري ولا أنا شخصياً. ومن لا يرغب بالفراغ يريد أن يبني على الإيجابيات الموجودة كي نصل إلى قانون يفيد الجميع. وهذا أمر أخذ الكثير من النقاشات وسجل إيجابية في ما خص مجلس الشيوخ، وقانون الانتخاب. هناك من يعارض التأهيلي، ومن هو مع النسبية، لكن هذا لا يعني أننا وصلنا إلى طريق مسدود». ورأى أن «السلبيات لا تفيد أحداً، كذلك وضع أنفسنا في مواقف مسبقة. وأؤكد لجميع الفرقاء أن المواطن سئم كل هذا الكلام، وهو يريد قانون انتخاب، وكهرباء وماء وطرقات ومستشفيات، وأن يقدّم السياسيون الأفعال، ولا يريد أن يسمع كلاماً من أي جهة حول التهديد بالفراغ، أو بالاستقالة. فعنصر الشباب، يريد لقمة عيش كريمة، ويعرف أنه يوجد استقرار في هذا البلد. وأنا أوجّه نصيحة إلى جميع الفرقاء، وقد تحدثت بكل صراحة مع الرئيس بذلك، أن علينا جميعاً وضع كل جهودنا لننتهي من وضع قانون، ومن الضرورة أن يتحقق من خلاله تحسين التمثيل». وقال: «هناك تضحيات أو تسويات مهمة يقوم بها الرئيس بري في ما خص مجلس الشيوخ والمناصفة في المجلس، والمسلمون يقدّمون أيضاً في مكان ما، والرئيس يتكلم أيضاً عن تأليف هيئة إلغاء الطائفية السياسية. وأنا أتمنى على الجميع وضع كل ما هو سلبي جانباً، وإدراك أننا متجهون إلى مكان إيجابي، وقادرون على الوصول إليه». وإذ لفت إلى أن «رئيس الجمهورية أبدى خلال اللقاء كل الإيجابية، وهو لا يريد الفراغ بل الوصول إلى الحلول»، قال: «نحن سنعمل خلال الأيام المقبلة، ليلاً ونهاراً كي نتمكن من الوصول إلى حيث نريد». وعما إذا كان سيطرح أفكاراً جديدة، أجاب: «عندما أريد طرح مثل هذه الأفكار، لن أحجبها عنكم. أنا عندما سمعت عن هذا الطرح، رحت أفتش في أدراجي عنه ولم أجد شيئاً. لكن الطرح الوحيد الموجود لديّ هو أن هذه الإيجابية التي بنيناها مع الجميع ستمكّننا من الوصول إلى الحل». وكرر قوله: «إذا لم نتمكن من وضع قانون خلال فترة حكومتي، سأعتبرها فاشلة. هناك الكثير من مستشاريَّ يطلبون مني عدم قول ذلك، لكنني أعيد وأكرره، لأن بالنسبة إليّ فإن هذا الموضوع أساسي جداً. علينا وضع قانون، وتكملة المشاريع التي نقرّها في مجلس الوزراء». وقال رداً على سؤال: «تعلمون رأيي في النسبية وفي المختلط، ولكنني سرت بهما. فإذا عدتم إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري حين كان يتم وضع قانون الستين، وسألوه عن موقفه، فيما كانوا يعتقدون أنه معارض له ويريد الانتخابات وفقاً لقانون ال2000، كان جوابه: ضعوا القانون الذي تريدون وأنا أخوض الانتخابات على أساسه، وسأخوضها في المنطقة الأصعب، من بيروت. وأنا بدوري أقول الكلام نفسه، ضعوا القانون الذي تريدون وسأخوض هذه الانتخابات وفقاً لأي قانون». وأشار إلى «أن مبدأ التصويت معروف، وموجود في مجلس الوزراء، وهو من المفروض أن يحصل. ولكن في موضوع مثل موضوع قانون الانتخاب، نحن نعمل حتى الدقيقة الأخيرة لتحقيق التوافق حوله. في السابق وُضع قانون، ولم نكن موجودين في الحكومة، ولا حتى أخذ أحد برأينا، وتم التصويت عليه، وهناك فريق سياسي تحفظ عنه. وأنا أستغرب ما يحصل عندما أرى أننا نُعامل وفقاً لمعايير مختلفة في بعض المسائل. وأؤكد لكم، والرئيس أيضاً، أننا لا نريد الذهاب إلى التصويت من باب التحدي، ولكن لأننا نرى أن التوافق اليوم موجود على 95 في المئة من الأمور، والجو السلبي الذي يحاول البعض نقله لا يجب أن يكون سائداً». العريضي والشوط الأخير وأكد عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب غازي العريضي من جهته، «أننا في المرحلة النهائية أو الشوط الأخير للوصول إلى تفاهم حول قانون الانتخاب، على رغم التعقيدات والتهويل والكلام العالي النبرة والمناورات والتكتيكات وكل محاولات الضغط لإقرار أفكار ومشاريع معينة»، مشيراً إلى أن «إذا كانت النيات صادقة، نذهب إلى اتفاق على قانون جديد قائم على النسبية في الدوائر الوسطى. الأمر يتعلق لدى البعض بمسألة الدوائر، ويمكن أن يتوافر إجماع حول هذه النقطة إذا ذهبنا إلى تدوير الزوايا في كيفية تركيب الدوائر». ونبه إلى أن «إذا لم يحصل تفاهم على قانون لا يجوز أن يكون الفراغ، بل نذهب إلى إجراء انتخابات على أساس ال60، فنحترم الدستور والقانون».