أطلق رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري جولة واسعة من المشاورات والاتصالات بحثاً عن توافق على قانون جديد للانتخاب توّجها عصر أمس بلقاء رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، وقال: «تباحثنا في كل المستجدات، وخصوصاً في موضوع قانون الانتخاب وكل الأمور التي تحصل حوله، والرئيس حريص جداً على أن ننجز القانون، هناك اقتراحات عدة، موضوع «التأهيل» ومواضيع أخرى يُعمل عليها بين الأفرقاء». وأضاف: «أطمئن الناس إلى أننا نعمل 24 ساعة على هذا الموضوع لأن هذه هي الأولوية وأنا متفائل بإمكان أن تصل الأمور إلى خواتيمها الجيدة، وأنا والرئيس نُقدّر أنه في هذا الموضوع علينا مسؤولية كبيرة وعلى الأفرقاء السياسيين ليكون هناك تعاون بين الجميع لنصل إلى تفاهم، وبالأمس التقيت الرئيس بري الذي هو أيضاً حريص على الانتهاء من هذا الموضوع، وبرأيي يمكننا أن نصل إلى حل والأمر إيجابي». سأدعو الحكومة وعن عقد جلسة لمجلس الوزراء، أجاب: «في موضوع جلسة الحكومة كل ما حكي سابقاً هو كلام فارغ، الضغط الذي أضعه شخصياً على كل الفرقاء السياسيين هو للوصول إلى مكان ما في قانون الانتخاب، الأولوية اليوم عندما استعمل الرئيس صلاحيته الدستورية بوقف عمل مجلس النواب هي قانون الانتخاب، وأنا كرئيس حكومة أردت أن يعرف الناس أنني مع الرئيس عون في هذا الموضوع، ومن يدعو إلى مجلس الوزراء هو أنا، لذلك سأدعو الأسبوع المقبل إلى جلسة يكون فيها قانون الانتخاب أو بنود أخرى». وعما إذا كانت جلسة 15 أيار (مايو) النيابية جلسة تمديد لتفادي الفراغ، أجاب: «كل الأفرقاء يعرفون موقفي من جلسة 15 أيار، لذلك البحث الإيجابي هو الأساس اليوم، نحن لا ندخل في مواجهة مع أي فريق، المهم اليوم هو كيف نصل إلى معادلة لحسن التمثيل للجميع، الخلاف على بعض التفاصيل يمكن أن يحصل، وهناك أمور كثيرة نبحث بها وإن شاء الله الأمور ستصل إلى خواتيمها». وزاد: «موقفي من التمديد واضح وصريح وهو ضاغط على كل الأفرقاء في هذا الشأن، ما يهمني ليس التمديد، بل قانون الانتخاب، هناك «كباية نصفها مليء» هل نقول أن نصفها فارغ أو ممتلئ؟ أنا سأقول أن نصفها ممتلئ، أنا سأملأها قريباً». وعن احتمال فرض عقوبات مالية أميركية، أجاب: «هناك مشروع يعد في الكونغرس الأميركي، لذا يجب أن يكون لدينا فريق يعمل على شرح ما نقوم به لمحاربة تبييض الأموال، برأيي نحن قادرون على أن نؤثر في كيفية صدور القانون. لا شك في أنه قانون صعب على لبنان لكن ذلك لا يعني أنه لا يمكننا العمل مع الحكومة الأميركية أو الكونغرس لنغير فيه». كما التقى الحريري أمس في «بيت الوسط»، طوني فرنجية نجل رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، في حضور الوزيرين يوسف فنيانوس وغطاس خوري، وتم خلال اللقاء عرض التطورات. وكان الحريري بدأ جولته ليل أول من أمس، بلقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، سبقه لقاء مطول مع عضو «اللقاء النيابي الديموقراطي» وزير التربية مروان حمادة، فيما لم ينقطع عن التواصل مع قيادتي «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية». وبدا من خلال مشاورات الحريري كأن اقتراح التأهيل في القضاء أخذ يتراجع، وبات ممكناً صرف النظر عنه في ضوء معارضة الرئيس بري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط له، إضافة إلى أن «القوات» حرص منذ اللحظة الأولى للتداول في النظام التأهيلي على إبداء مجموعة من الملاحظات عليه. وعلمت «الحياة» أن الحريري الذي يتشاور باستمرار مع رئيس الجمهورية ميشال عون حول كل ما يتداول من أفكار تتعلق بقانون الانتخاب يسعى جاهداً للتأسيس، بالتفاهم مع القوى السياسية، لقاعدة صلبة تمهد للتوافق على القانون ما يسهل دعوته مجلس الوزراء إلى الانعقاد في الأسبوع المقبل. ولفتت مصادر وزارية ونيابية إلى ما حال دون استئناف جلسات مجلس الوزراء أن الحريري ليس في وارد إقحامه في سجال سياسي حول مضمون قانون الانتخاب قد يدفع إلى التأزيم في الوقت الذي يبدي فيه مرونة، ليس في الانفتاح على جميع الأطراف فحسب، وإنما في تقديم التنازلات شرط أن يبادله الأطراف بالمثل للوصول إلى قواسم مشتركة ليكون اجتماع مجلس الوزراء منتجاً. وكشفت المصادر أن الحريري، وإن كان يحرص على عدم استفراد هذا الطرف أو ذاك وإشعاره بأن هناك من يريد استهدافه من خلال قانون الانتخاب وصولاً إلى تهميش دوره في إعادة تكوين السلطة التي من شروطها انتخاب برلمان جديد، فإنه في المقابل أوحى فور انطلاقه بمشاوراته الجديدة بأن النظام التأهيلي استبعد من قانون الانتخاب. وقالت المصادر ذاتها إن الحريري ينطلق في مشاوراته من تقسيم لبنان إلى 11 دائرة انتخابية تجرى فيها الانتخابات على أساس النظام النسبي مع الإبقاء على الصوت التفضيلي في القضاء. ورأت أنه يحاول أيضاً التوصل إلى صيغة تحقق التلازم بين إجراء الانتخابات واستحداث مجلس شيوخ على أساس طائفي يتم اختيار أعضائه استناداً إلى المشروع الأرثوذكسي، أي أن كل طائفة تنتخب من يمثلها في هذا المجلس. المداورة واستبعدت المصادر إمكان طرح نقل بعض المقاعد النيابية من منطقة إلى أخرى لأن فتح هذا الباب سيؤدي إلى خلق مشكلة، مثل هذا الطرح يخضع إلى تبادل الفيتوات بين الأطراف المعنية بنقل المقاعد. وإذ تحدثت المصادر عن صيغ عدة تتعلق باستحداث مجلس الشيوخ، علمت «الحياة» أن الأفكار المتداولة في هذا الخصوص لم تستقر حتى الساعة على توافق. ومن الأفكار التي تطرح تحقيق مبدأ المداورة على رئاسة مجلس الشيوخ ونيابة رئاسة المجلس بين الدروز والأرثوذكس أو إسناد نيابتي البرلمان ورئاسة الحكومة إلى الدروز، مقابل حصر رئاسة مجلس الشيوخ بالطائفة الأرثوذكسية. ورأت المصادر أن لا شيء نهائياً في كل ما يتعلق بمجلس الشيوخ، وعزت السبب إلى أن الأفكار المطروحة ما زالت قيد التداول وأن الحزب «التقدمي الاشتراكي» يفضل عدم الانجرار إلى سجال طالما أن العناوين الرئيسة لقانون الانتخاب العتيد لم تتبلور حتى الساعة، وبالتالي يتريث في تحديد موقفه إلى حين يطرح عليه مشروع قانون انتخاب متكامل على غرار ما فعله عندما تقدم السبت االماضي بمشروع متكامل. وأضافت أن «التقدمي» لن يقول كلمته الآن، فهو لا يريد استباق النتائج النهائية للمشاورات، ويعتبر أن لكل حادث حديثاً، فور تسلمه مسودة أي مشروع انتخابي في حال تضمن استحداث مجلس شيوخ. كما أن هناك مشكلة - وفق المصادر عينها - مصدرها أن من غير الجائز التعايش بين مجلسين طائفيين، أي برلمان ومجلس شيوخ، وهذا ما يتعارض مع اتفاق الطائف، إلا إذا اقترن المشروع الذي ينتظر الجميع ولادته بفترة انتقالية تبرر جمعهما موقتاً تحت سقف طائفي. واعترفت المصادر بأن الجميع في مأزق، وهذا ما دفع الحريري إلى إعادة تشغيل محركاته في كل الاتجاهات، بحثاً عن إنتاج قانون توافقي يحظى بتأييد واسع يشجع على إقراره في مجلس الوزراء، تمهيداً لإحالته إلى البرلمان للتصديق عليه، وعندها لا مشكلة لأن الجميع سيقر بالتأجيل التقني للانتخابات، وهذا يجب أن يحدث قبل دعوة بري إلى جلسة 5 أيار (مايو) وانتهاء مفعول تجميد رئيس الجمهورية للبرلمان في 13 منه. وعلى خط آخر، التقى رئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي وليد جنبلاط في كليمنصو مساء أمس رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، في حضور عدد من أعضاء اللقاء والحزب «التقدمي الاشتراكي». «لقاء الجمهورية» :التأهيلي يسقط الدولة لصالح الدويلات حذر «لقاء الجمهورية» «من أي انزلاق عن الأسس الدستورية التي لا يراعيها «المشروع التأهيلي»، مع ما لهذا المقترح من انعكاسات سلبية على صورة لبنان فيما لو أبصر النور، وتنفيذه عبر «تقاسم المغانم» ما عجزت عن تحقيقه الحرب الأهلية وأعداء لبنان»، مؤكداً أن «التأهيلي» سيسقط دستورياً حين يعرض على المجلس الدستوري بعد طعن عشرة نواب أو طعن رئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور، وبالتالي سيؤدي سقوطه إلى إجراء الانتخابات النيابية وفقاً للقانون النافذ المعروف بقانون الستين». ودعا اللقاء خلال اجتماعه الدوري «جميع القوى إلى استثمار الوقت المتبقي قبل نفاد المهل للاتفاق على القانون العادل وفقاً لمعايير موحدة لا تميز بين اللبنانيين ترشيحاً أو اقتراعا، ولا ترفع المتاريس الطائفية والمذهبية إلى حد يشعر فيه اللبناني بأنه في بلد الدويلات، في حين تتمسك غالبية اللبنانيين ببقاء الدولة وتقويتها». ودعا الرئيس السابق للحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي إلى «العمل لإيحاد الحلول التي تحفظ استمرارية مؤسساتنا الدستورية وفي مقدمتها مجلس النواب»، معتبراً «أن التمديد هو أبغض الحلال، والفراغ هو الإثم والحرام بذاته، ولكن من غير المقبول حصول فراغ في المؤسسة التشريعية وإدخال البلد في مجهول لا يعرف أحد إلى أين سيودي بنا»، ورأى أنه «إذا أردنا حلاً سريعاً، فيجب إجراء الانتخابات النيابية على أساس القانون النافذ». وقال ميقاتي: «نحن أمام طروحات سياسية وانتخابية مختلفة، وكلها مبنية، على مزيد من التشرذم الطائفي، وعلى الاختلاف في وجهات النظر، الذي يصل إلى حد التشنج أحياناً. المطلوب العودة إلى جوهر الدستور، لا إلى مشاريع انتخابية تنطلق من أن كل طائفة تنتخب نوابها، أو على تشتيت وحدة الوطن وتحويل أبنائه فئات متناحرة ومشتتة».