بعد أقل من يومين على انتهاء الحملة الرئاسية التي أدت إلى فوز إيمانويل ماكرون، دخلت فرنسا في حملة الانتخابات الاشتراعية التي توصف بأنها «قفزة في المجهول». هذا الوصف مرده صعوبة التكهن بما سيكون عليه توزيع المقاعد النيابية في البرلمان المقبل، بعدما جرت العادة بأن يتكون البرلمان من غالبية يمينية ومعارضة يسارية أو العكس، تتعايشان مع بعض الكتل الصغيرة. مثل هذا التوزع التقليدي لم يعد ممكناً في ضوء التغيير الذي حملته انتخابات الرئاسة التي انهار خلالها حزبا «الجمهوريين» اليميني و «الاشتراكيين» اليساري، فيما برزت حركة «الجمهورية إلى الإمام» التي أسسها ماكرون، قوة جديدة على الخريطة السياسية. في الوقت ذاته، حققت «الجبهة الوطنية الفرنسية» اليمينية المتطرفة تقدماً بارزاً، وكذلك تقدم حزب «فرنسا غير الخاضعة» اليساري الراديكالي الذي يتزعمه جان لوك ميلانشون. والبرلمان المقبل سيكون بالتالي موزعاً في شكل أساسي على هذه القوى الأربع، وفقاً لنسب من الصعب جداً التكهن بها. ويراهن كل من هذه القوى على أن يكون لها وزن برلماني واضح. ومعروف أنه ليس للرئيس الجديد أي قاعدة برلمانية وهو يسعى إلى الخروج من الانتخابات بغالبية تساعده في خطواته وتوجهاته، وقرر اختيار مرشحيه من أفراد المجتمع المدني ومن النواب الحاليين والسياسيين، شرط تخليهم عن أحزابهم وانضمامهم إلى حركته. وبدا لافتاً في هذا الإطار إبداء رئيس الحكومة الاشتراكي السابق مانويل فالز رغبته بالترشح تحت راية «إلى الأمام» بعدما كان عبر عن تأييده ماكرون في الرئاسة، وهو ما ردت عليه الحركة بأنها «ستدرس هذا الطلب». أما لوبن فهي تراهن على نسبة الأصوات التي أحرزتها في انتخابات الرئاسة لاحتلال موقع قوة المعارضة الرئيسية في البرلمان المقبل، كما يراهن ميلانشون على احتلال موقع قوة المعارضة الرئيسية على الصف اليساري أيضاً، استناداً إلى نتائج انتخابات الرئاسة التي تقدم فيها على الحزب الاشتراكي. ويترقب اليمين الانتخابات باعتبارها فرصة لإعادة تجميع صفوفه التي تفككت بسبب الفضائح التي طاولت مرشحه للرئاسة فرانسوا فيون وتمسك الأخير بترشيحه حتى الهزيمة. ويعتبر الوزير السابق فرانسوا باروان الذي يقود حملة «الجمهوريين» النيابية أن المجال متاح لإعادة تعبئة الناخبين استناداً إلى برنامج أقل قسوة من برنامج فرنسوا فيون الرئاسي وفرض حزبه كقوة تعايش مع ماكرون. ويبدو هذا الرهان بالغ الصعوبة في ضوء تهافت العديد من الأعضاء المنتخبين والمسؤولين من حزب الجمهوريين للانضمام إلى حركة ماكرون ومن بينهم الوزير السابق برونو لومير. ووسط هذا المشهد يبدو الحزب الاشتراكي الأكثر واقعية، إذ إنه لا يطمح إلى أكثر من إنقاذ ما أمكن من مواقعه بما يتيح له الاستمرار وعدم الزوال.