يتوقع المسؤولون في السلطة الفلسطينية ثلاثة سيناريوات لتدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي عبر عن أمله باستئنافها، ويأملون بالحصول على أقلها سوءاً لهم، وهو استمرار الوضع الراهن. ووفق عدد من كبار المسؤولين في السلطة، فان السيناريو الأول المتوقع هو إطلاق الرئيس الأميركي مبادرة تقوم على عودة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى المفاوضات المباشرة، من دون وقف جدي للاستيطان. أما السيناريو الثاني فهو عودة الجانبين إلى المفاوضات في إطار إقليمي يضم عدداً من الدول العربية، بعضها لا يقيم علاقات مع إسرائيل. والثالث هو بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، وهو ما يعتبرونه الأقل سوءاً. وقال الرئيس عباس في مقابلة مع راديو صوت فلسطين، عقب اجتماعه مع ترامب، أول من أمس: «قدمنا أنفسنا في هذا الاجتماع إلى الرئيس الأميركي، قدمنا ما نريده، وقدمنا مواقفنا». وأضاف: «تحدثنا كيف يمكن أن نبدأ وبسرعة في حل القضية الفلسطينية، وهو (ترامب) متحمس، ومندفع، ولديه رؤية للحل». وقال عباس إن الرئيس الأميركي سيتحدث إلى الطرف الآخر، وهو إسرائيل، ثم يعود إلى الفلسطينيين. وبحسب مسؤولين يرافقون الرئيس الفلسطيني في زيارته لواشنطن، فإن عباس طلب من الرئيس ترامب في لقائهما في البيت الأبيض، العمل على تطبيق حل الدولتين، والضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان، موضحاً له أن الاستيطان يهدد بتقويض هذا الحل ويفتح الطريق أمام حلول أخرى بديلة ليست في مصلحة الطرفين مثل حل الدولة الواحدة. أما الجانب الأميركي فطلب من عباس وقف دفع رواتب لأسر الشهداء والمعتقلين ووقف التحريض في الإعلام وفي المناهج المدرسية. وقال الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة إن الرئيس الفلسطيني عبر عن أمله «بأن يمارس الرئيس الأميركي ضغوطاً على إسرائيل من أجل تطبيق حل الدولتين، ومن دون ذلك فإن الوضع الراهن سيستمر كما هو عليه من دون تغيير». لكن العديد من المراقبين يخشون من قيام ترامب بالضغط على عباس لقبول مواقف وشروط طالما رفضها الفلسطينيون من قبل، مثل العودة إلى المفاوضات في ظل استمرار الاستيطان، وإقامة إطار إقليمي للعملية السياسية يمكن إسرائيل من النفاذ إلى إقامة علاقات مع الدول العربية. وقال الدكتور علي الجرباوي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، إن «ترامب من أكثر الرؤساء الأميركيين انحيازاً لإسرائيل، وطاقمه أيضاً لا يخفي انحيازه إسرائيل، ولديه صهر يهودي، وأحفاد يهود، كما أن أسرائيل هي شريكه الاستراتيجي، وليس نحن. لذلك من المستبعد أن يقوم بأي ضغط على إسرائيل». ورجح أن «يوجه ترامب ضغطه على الطرف الفلسطيني». وقال: «من الواضح أن ترامب يسعى لإقامة علاقات طبيعية بين إسرائيل والدول العربية، وما نخشاه أن يتم ذلك على حساب القضية الفلسطينية». ويفتقد الفلسطينيون عوامل القوة التي تؤهلهم لفرض مطالبهم على أجندة العملية السياسية الأميركية المتوقعة. فمن جهة، فإن الإدارة الأميركية الحالية من أكثر الإدارات انحيازاً لإسرائيل، منذ إنشائها قبل 70 عاماً. ومن جهة الاتحاد الأوروبي، فإن دوره في المنطقة يشهد تراجعاً جراء صعود أحزاب اليمين، والأزمة الاقتصادية، ومشكلات اللاجئين. وإقليمياً، فإن الدول العربية تواجه تحديات كبرى تتمثل في الحروب الأهلية والإرهاب ومواجهة إيران. وفلسطينياً، فإن الانقسام بين قطاع غزة التي تقوده «حماس» والضفة الغربية التي تديرها السلطة الفلسطينية، يشكل عامل ضعف آخر للموقف الفلسطيني. وفي ظل هذه المعطيات السلبية، يتوقع الدكتور الجرباوي أن «يضغط ترامب على الجانب الفلسطيني للعودة إلى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، من دون وقف الاستيطان، وبمشاركة أطراف إقليمية وعربية». وأضاف من «الواضح أن ترامب يسعى لإقامة علاقات طبيعية بين إسرائيل والدول العربية، وما نخشاه أن يتم ذلك على حساب القضية الفلسطينية». لكن بعض المسؤولين الفلسطينيين يعتقد أن الرئيس عباس ما زال يحمل عامل قوة مهم في مخاطبة الأميركيين وهو الإجماع الدولي على ضرورة حل القضية الفلسطينية. وقال اللواء جبريل الرجوب عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»: «هناك إجماع دولي على أن حل القضية الفلسطينية هو طريق إجباري أمام الاستقرار في الإقليم». وأضاف أن «الرئيس الأميركي لديه حسابات مصالح، وسينحاز إلى مصالح بلاده وليس إلى مصالح إسرائيل التي يجمع العالم على أنها تخرق القانون الدولي». وكان الرئيس الأميركي تعهّد، بعد لقائه عباس في واشنطن، بفعل «كل ما هو ضروري» من أجل التوسط لتحقيق السلام، لكنه لم يطرح أي أفكار في شأن كيفية إحياء المفاوضات المتعثرة منذ وقت طويل. وقال ترامب لعباس في مؤتمر صحافي مشترك بالبيت الأبيض: «سأفعل كل ما هو ضروري. أود أن أعمل كوسيط أو موجّه أو حكم بين الجانبين. وسننجز هذا». ويواجه ترامب (رويترز) شكوكاً عميقة داخلياً وخارجياً حيال الفرص المتاحة أمامه لتحقيق أي انفراجة ديبلوماسية سريعة، لا سيما أن الإدارة الأميركية لم تضع بعد استراتيجية متماسكة لإحياء عملية السلام المحتضرة. وتأتي محادثات عباس في البيت الأبيض بعد زيارة قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في منتصف شباط ( فبراير) الماضي في تحرك سريع لإعادة ضبط العلاقات بعد التوترات التي شابتها في عهد الرئيس الديموقراطي باراك أوباما. وأثار ترامب انتقادات دولية حين بدا أنه يتراجع عن دعم حل الدولتين قائلاً، إنه سيترك للأطراف المعنية اتخاذ القرار، علماً بأن هدف إقامة دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل هو موقف الإدارات الأميركية المتعاقبة والمجتمع الدولي. وقال محللون إن ترامب، الذي قال إنه قرر «بدء عملية» لكنه لم يطرح وصفات لسياسة جديدة أو جدولاً زمنياً، ربما يهون من قدر تحدي انعدام الثقة بين الجانبين. وقال ديفيد ماكوفسكي، العضو البارز في فريق التفاوض الذي شارك إبان حكم أوباما في آخر جولة من المحادثات بين الجانبين والتي انهارت في 2014 «لا يمكنك التظاهر بأن عليك فحسب معالجة عدد قليل من القضايا الرئيسية. الأمر صعب للغاية». وعلى رغم أن التوقعات لتحقيق تقدم ملحوظ محدودة، قالت مصادر مطلعة إنه يجري إعداد خطط ليزور ترامب نتانياهو في القدس، وربما ليجتمع مع عباس في الضفة الغربية، وإن الموعد المحتمل للزيارة هو 22 و23 الشهر الجاري، فيما أحجم مسؤولون أميركيون وإسرائيليون عن تأكيد الزيارة. وبدا الود بين ترامب وعباس، لكن سمات الجدية كانت ظاهرة عليهما خلال المؤتمر الصحافي. وكان المشهد أقل حميمية مما بدا عليه اللقاء بين ترامب ونتانياهو في شباط الماضي. وقال عباس: «تحت رعايتكم الشجاعة وحكمتكم وكذا قدرتكم التفاوضية العظيمة» سيكون الفلسطينيون شركاء في السعي من أجل التوصل إلى «اتفاق سلام تاريخي». ولكن تحت الضغط الذي يواجهه عباس في الداخل لتجنب تقديم تنازلات كبيرة قال: «لقد آن الأوان أن تنهي إسرائيل احتلالها»، في إشارة إلى البناء الاستيطاني في الضفة الغربية. ودعا عباس إسرائيل إلى الاعتراف باستقلال فلسطين تماماً كما يعترف الفلسطينيون بدولة إسرائيل. لكنه لم يكرر علناً مطلبه بأن تجمد إسرائيل بناء المستوطنات على الأراضي التي يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها كشرط لاستئناف المفاوضات. وفي قطاع غزة، قال سامي أبو زهري المتحدث باسم حركة «حماس» إن التعهدات التي قدمها عباس في البيت الأبيض «غير ملزمة لأحد».