انتقل الجدل في شأن إجراء الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان المقرر بعد 17 يوماً، من المسرح السياسي إلى الديني، إذ اعتبرت الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة في السودان عملية الاستفتاء «باطلة شرعاً والمشاركة في فصل الجنوب حرام»، فيما رأى رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت أن «السياسات الخاطئة» وراء عدم اعتناق الجنوبيين الإسلام وتعهد حماية المسلمين في الدولة الوليدة. وتلقّى سلفاكير الأربعاء اتصالاً من الرئيس باراك أوباما قال البيت الأبيض إنه تناول مناقشة مسار مفاوضات الجنوب مع حكومة الخرطوم وتأكيد التزام الولاياتالمتحدة اجراء الاستفتاء في شكل سلمي وفي موعده المقرر. وأضاف البيت الأبيض أن أوباما حض سلفاكير على «التواصل بجدية» مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال لحل المسائل العالقة المرتبطة باتفاق السلام. ولفت في الخرطوم أمس صدور موقف «ديني» شديد اللهجة ضد استفتاء الجنوب، إذ اعتبرت «الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة في السودان» التي تتألف من سلفيين، أن الاستفتاء على حق تقرير المصير المؤدي إلى فصل الجنوب باطل، وحذرت من مخطط «غربي يهودي» لتقسيم السودان إلى خمس دويلات «هزيلة»، وطالبت الحكومة بأن تفي بعهدها الذي قطعته منذ عشرين عاماً بتطبيق الشريعة الإسلامية. ووصف مسؤول الدعوة في الرابطة، محمد عبدالكريم، الحكم بالشريعة الآن ب «المنقوص»، وقال في مؤتمر صحافي أمس أن الشريعة في السودان الآن غير مطبقة، واستدل على ذلك بالحديث الأخير للرئيس عمر البشير الذي أعلن فيه أن السودان سيطبّق الشريعة عقب انفصال الجنوب. وأشار إلى أن الحكومة إن كانت جادة وترغب في تطبيق الشريعة فعليها الرجوع إلى العلماء وأهل الدين لاستنباط القوانين. ونعت عبدالكريم اتفاق السلام ب «المشؤوم» واعتبره اتفاقاً انفصالياً وبنوده تكرّس ذلك كونها أعطت «الحركة الشعبية لتحرير السودان» السيطرة على الجنوب و «الحق في الشمال»، معتبراً ذلك «غبناً». وتابع: «الذين يقولون إن الاتفاق وافق عليه كل الأطراف وإنهم تفاجأوا بأن أهل الجنوب اختاروا الانفصال، خدعوا الشعب، لأن الاتفاق يكرّس الانفصال». واعتبر مبدأ الاستفتاء المؤدي إلى فصل الجنوب والمنبثق من اتفاق السلام «باطلاً ولا قيمة له من الوجهة الشرعية». وأعرب عن قلقه ازاء مصير مسلمي الجنوب، وقال إن الانفصال سيكون له تأثير على المكتسبات الإسلامية في الجنوب، حيث «ستكون الدعوة مهددة في ظل العلمانية الحادة لاستئصال الإسلام» في الإقليم بعد تحوّله إلى دولة مستقلة. وحمّل عبدالكريم الحكومة مسؤولية تمدد المذهب الشيعي في السودان، وقال إنها تتعامل مع عناصر الشيعة بتساهل وتسمح لهم بإقامة أنشطتهم ودورهم في الخرطوم، مطالباً بمنعهم وملاحقتهم أمنيا وسجنهم «حتى يزول باطلهم عن السودان». كما انتقدت هيئة شؤون الأنصار، وهي الطائفة الدينية التي يستند عليها حزب الأمة المعارض، تصريحات الرئيس عمر البشير التي أكد فيها أنه إذا انفصل الجنوب سيعدل الدستور وستكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. وقالت هيئة الأنصار إن البشير منذ «انقلب» على السلطة الشرعية في العام 1989 «ظللنا نسمع شعارات ولم نر لها أثراً على أرض الواقع، بل ما طبق يناقض ما أعلن عنه». وقالت: «أي نظام يقوم على الانقلاب أو على التزوير أو على الوراثة من دون مشورة الأمة لا شرعية له حسب معايير الحكم في الإسلام». وفي تطور ذي صلة، انعقد في مدينة جوبا أمس المؤتمر الأول لمسلمي الجنوب لمناقشة أوضاع المسلمين في حال انفصال الإقليم. وتعهدت حكومة الجنوب على لسان سلفاكير الذي ترأس الاجتماع بالحفاظ على حريات المسلمين مع استمرار نهجها الداعي إلى فصل الدين عن الدولة، مؤكداً أن أتباع جميع الأديان سيمارسون شعائرهم ومعتقداتهم الدينية بحرية كاملة في حال الانفصال. ورأى سلفاكير أن السياسات الخاطئة للحكومات الوطنية المتعاقبة حالت دون اعتناق آلاف الجنوبيين الإسلام، وقال إن الإسلام ليس ملكاً للعرب. وشهد المؤتمر جدلاً بين مسؤولين في حكومة الجنوب ومسلمين شكوا من سوء المعاملة ومضايقات واعربوا من مخاوفهم في حال انفصال الجنوب، لكن وزراء في الحكومة بثوا تطمينات مؤكدين أنه لا يوجد استهداف لمسلمي الجنوب، واعترفوا بوجود أخطاء عزوها إلى آثار الحرب الأهلية. وشارك في المتقى وفود دينية من كينيا واغندا وتنزانيا ومصر ودول خليجية أبرزها السعودية. ولا توجد احصاءات رسمية عن معتنقي الأديان في جنوب السودان، اذ لم يجر إحصاء في الجنوب سوى في أعوام 1956 و1983 و2008، وخلا الاخيران من السؤال عن الديانة. ويُقدّر عدد مسلمي الجنوب ب 18في المئة والمسيحيين ب 17 في المئة والبقية وثنيون. ويبلغ عدد سكان الجنوب أكثر من 8 ملايين نسمة.