بين «يا نهار أسود» و «كلام فاضي» تراوحت رؤى المصريين لما بثته قناة «مكملين» الإخوانية مساء أول من أمس فيما سمته «فيديو تسريب سيناء». القناة المتخصصة منذ عام 2013 في الدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين وتشويه كل ما يتصل بالجيش والشرطة والمصريين المنقلبين على حكم الجماعة دقت على أوتار الأوضاع الأمنية وموجة الإرهاب الجديدة التي تضرب مصر والمصريين في أعقاب إعلان الجيش المصري سيطرته على جبل الحلال، وهو الجبل الواقع على بعد 60 كيلومتراً من مدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء ومعقل الإرهابيين والخارجين على القانون المستديم على مدى سنوات. الأوامر المستديمة في الجيش المصري تمنع تماماً إطلاق اللحية، وهي اللحية الكثيفة التي ظهر بها من وصفهم الفيديو ب «الجنود المصريين» الذين تحدث جميعهم بلكنة بدوية صريحة لم تلفت انتباه صناع الفيلم. حتى ارتداء الجنود خليطاً من الملابس الصيفية والشتوية، وأزياء مدنية مع العسكرية، والمعرفة الواضحة بانتماء المغدورين لعائلات بعينها كما يظهر من الحديث لم يستوقف القائمين عليه. وعلى رغم ذلك، أثار الفيلم حالة من البلبلة قوامها خليط من قلق من أن يكون حقيقياً، وغضب جراء استباحة الجماعة لهيبة الجيش المصري وسمعته لهذا الحد، وفرحة غامرة استبدت بالمؤيدين والداعمين للرئيس الأسبق محمد مرسي. الفيلم «المصنع خصيصاً»، كما وصفه خبراء في الإرهاب، يجري تحميله آلاف المرات منذ بثه على العديد من مواقع وقنوات الجماعة وحلفائها ومؤيديها والمتعاطفين معها، وهو ما تصفه خبيرة الإعلام نهى النحاس ب «البروباغاندا السوداء» (الدعاية السوداء) وهو المحتوى الذي يعتمد على بث الشائعات والمعلومات غير الصحيحة أو المصنعة خصيصاً للرسالة، وهي تنشط في أوقات الصراع الحرجة واللحظات الفاصلة في الحروب. وتضيف أن هدف هذا النوع من البروباغاندا يكون «توجيه الرأي العام المضاد لطريق محدد وإشاعة صورة ذهنية سيئة عن العدو». وتحذر من أن المصريين في لحظات فارقة في صراعهم مع قوى مختلفة، «فإذا كانت الهجمات العسكرية لا تؤثر سلباً في معنوياتنا وتصميمنا على مواجهتها والدفاع عن أرضنا، فالبروباغندا السوداء قادرة على إنهاكنا نفسياً وإفقادنا الثقة في أنفسنا». وهي ترى أنه من الأجدر عدم التعرض لمثل هذا المحتوى من الأصل إجهاضاً لمخطط تدمير المعنويات وتوجيه دفة المعركة لصالح الفريق المضاد. وللتضاد أشكال وألوان عدة. فهناك من بين من انتهجوا النهج الثورة المستديم من يجد نفسه متمركزاً على الجبهة المضادة نفسها جنباً إلى جنب مع مروجي الشائعات والبروباغندا السوداء ولكن بحسن نية. فبين معارضين للنظام، ومتمنين رئيساً لا ينتمي إلى المؤسسة العسكرية، ومنتقدين لأداء الحكم، ومنددين بما يرونه تضييقاً على الحريات وتكبيلاً للآراء وتشديداً على المعارضات تظهر نبرات تتراوح بين ميل للتصديق ورغبة في عدم التكذيب. أما أنصار الجماعة وأبناء عمومهم فرأوه نصراً عظيماً لهدفهم، وفتحاً مبيناً لغرضهم، فيما اتفقت قاعدة عريضة من المصريين على أن الفيلم هراء مقيت وهزل سخيف. يشار إلى أن موقع «أمل الأمة» المؤيد للجماعة، كان قد أعلن في كانون الثاني (يناير) 2014 أن «شباباً مصريين في جميع أنحاء العالم يعتزمون إطلاق قناة باسم «مكملين»، وإنها «ستتبنى فكرة غير مسبوقة في التفاعل مع المشاهدين»، وإنها «أول محطة تلفزيونية تنهي احتكار الدول وإدارات الأقمار الصناعية والأثرياء للقنوات التلفزيونية، وإنها «ستعتمد على المواطن الصحافي، وأن عمليات الإعداد والإنتاج والمشاركة ستكون مفتوحة للجميع، خصوصاً الشباب، ويشكل المشاهدون أنفسهم فريق العمل». «فريق عمل؟!» سؤال استنكاري أطلقه أحدهم على فايسبوك. «كل ما يحتاجون إليه خبير فوتوشوب بقرش، واختصاصي إنترنت بقرشين. ولو ثبت أن الفيديو حقيقي ممكن مكملين يزودونا بمقترحاتهم عن كيفية مواجهة الإرهاب والإرهابيين؟ مثلاً نوزع عليهم بونبون؟ أو ندعوهم إلى درينك؟ أو ننظم احتفال على شرفهم؟». المؤكد أن الاحتفال بعيد تحرير سيناء، في 25 الجاري، سيحمل مذاقاً مختلفاً، حيث خليط من القلق على سيناء والغضب على الحرب الشعواء متعددة الأطراف والأدوات التي تتعرض لها البلاد وتمني ترجمة فعلية لأغنية شادية الشهيرة «سينا رجعت كاملة لينا ومصر اليوم في عيد»، ولكن هذه المرة تعود من استلاب إرهابي يختفي تحت عباءة دينية، وليس احتلالاً إسرائيلياً. ولا يمر الفيديو من دون سخرية معتادة. ففي تغريدة أشار أحدهم إلى أن «قناة الجزيرة بثت فيلماً قبل أيام يصور الجنود المصريين يتم قنصهم كالفراش للإيهام بضعفهم وقلة حيلتهم. واليوم تبث مكملين فيلماً يصور افتراس الجنود أنفسهم. يا جماعة نسقوا الفبركة»!