في خطوة متوقعة وليست مستغربة جاء اعلان جماعة انصار بيت المقدس انضمامها الى تنظيم داعش ومبايعتها ل «ابوبكر» البغدادي، هذه الخطوة كان لها اسبابها ودوافعها الرئيسة المرتبطة بمسرح الارهاب في المنطقة والعلاقات غير البريئة معه من قبل دول اقليمية اصبحت تعتمد عليه لتنفيذ اجندتها في المنطقة. ولعل من الاسباب التي تدفعنا للتأكيد ان هذه الخطوة كانت متوقعة وذلك لاسباب رئيسة اولها الجهد الامني المكثف الذي تقوم به الاجهزة الامنية المصرية بعدما انكشفت حقيقة الجماعة وصلتها الرئيسة بالاخوان المسلمين، والثانية عودة عدد كبير ممن ذهبوا الى سوريا وانخرطوا في تنظيم داعش بعد المؤتمر الاستعراضي للرئيس المصري السابق محمد مرسي والذي دعا فيه الجهاديين للذهاب الى سوريا، والثالثة الجهد الواضح للحرب الدولية على تنظيم داعش والذي تطور في الآونة الاخيرة ليصيب مراكز القيادة والتأثير فيها، ورابعا ان هناك جهات اقليمية دفعت بعودة عدد كبير منهم الى سيناء لاستهداف الامن القومي المصري وبخاصة تركيا حيث تفيد المعلومات المصرية عن تورط تركيا ودولة عربية في استهداف الامن المصري عبر تسهيل مهمة هذا التنظيم. ولكي يكون الامر طبيعيا وضمن مسار انقلاب التنظيمات الجهادية من القاعدة الى داعش، اعلنت ايضا جماعة (مجاهدي ليبيا) انها وجميع فصائلها تبايع الخليفة البغدادي زعيم تنظيم داعش على السمع والطاعة، داعية في بيانها مواجهة المترددين من العلمانيين وقوات الجيش وتوعدهم بالحرب، حاثة القبائل الليبية على اللحاق بهم. سيناء على طريق الاستخبارات لماذا سيناء؟ ولماذا هناك اكثر من 20 تنظيما ارهابيا فيها؟ وهل هي دولة خارج الدولة أم ان هناك سرا يربط بين التاريخ والجغرافيا، وحركة المصالح والمنافع الدولية، التي جعلت من سيناء نقطة انطلاق مهمة، استقبلت سيناء جنود الليل بحثا عن معلومات، وللتأثير في أمن واستقرار الدول المجاورة. كانت سيناء على مدار التاريخ نقطة عبور رئيسة الى افريقيا والخليج وبلاد الشام، ولهذا ما زالوا منذ القدم، مجتمعات لا تأمن الغرباء ولا تطمئن اليهم، وتتوجس خيفة منهم، وان تعاملوا معهم، فانهم يتعاملون مع العديد منهم، من دون ان تمتلك القدرة على اختراقهم من الداخل، ومعرفة اسرارهم، واحيانا لا يمكن معرفة أسمائهم الحقيقية، ونتيجة الغزو الخارجي الدائم لسيناء عبر التاريخ امتاز اهلها بالقدرة على التعامل مع الغرباء، وكانت لهم فراستهم الخاصة بهم، ولذلك اتقنوا لغات من تعامل معهم من الطليان والالمان والانجليز، واتقنوا اللغة العبرية، ولهذا كان غالبية كادر الاستخبارات المصرية من أهالي سيناء خاصة فيما يتعلق باسرائيل، وكان بعض اهالي سيناء يتعاون استخباراتيا مع العديد من الاجهزة الامنية وكل يظن انه قد حصل على ضالته. كما كانت سيناء منفى اختياريا، لكل الهاربين من مصر وفلسطين والاردن والسعودية، سواء كان ذلك في فترات القحط والجفاف، او بسبب لغة الدم والثأر، واخيرا بسبب الانتماء للتنظيمات المتطرفة، فقد كانت سيناء مقرا للاخوان الهاربين في الستينيات من جحيم عبدالناصر (كما سموه)، وبعضهم اقام في غزة كونها كانت حتى وقت قريب تحت الادارة المصرية، ولهذا انتعش تنظيم الاخوان في غزة واصبحت له قاعدته الصلبة هناك، ومنذ انفصال غزة في عام 2005، والتنظيمات والحركات الارهابية والجهادية تجد لها في سيناء موطئ قدم، ضاعف من ذلك عمليات التهريب على اختلافها، تهريب السلاح والمخدرات والرقيق الابيض، فقد كانت جميلات اوكرانيا يهربن من العريشوسيناء الى تل ابيب في تجارة رابحة، تتجاوز كافة الخلافات وتعقيداتها في الشرق الاوسط، ولهذا ايضا كان للانفاق حكاية طويلة، اضافة لقدراتهم الباهرة في قص الأثر، وغيرها من المهارات الأمنية، وعليه كانت سيناء امتدادا لغزة، وكانت تنظيمات القاعدة والجهاد الاسلامي وبيت المقدس والتكفير والهجرة، واخير داعش. الجماعات الارهابية في سيناء تنقسم الجماعات الارهابية المقاتلة الى عدة اقسام غالبيتها العظمى نشأت في احضان الاخوان المسلمين، وعلى رأس هذه التنظيمات الجماعة السلفية، وهي تنتشر في معظم سيناء وإن كان منهجها مختلفا تقريبا عن بقية التنظيمات، حيث ينتهج اعضاؤها منهجا سلميا لا يميل الى العنف، لكنه منهج يوصف بعدم المرونة في قضايا شرعية متعددة، وليس له في السياسة واحوالها، وكان هذا التنظيم على خلاف مع التنظيمات الاخرى، وان كان بعض من افراده قد التحق بالقاعدة والتكفير والهجرة. اما النوع الآخر من التنظيمات الجهادية فكان يرفع راية الجهاد ضد اسرائيل، وكان يغلب على هذه الجماعات تأثير الصوت الفلسطيني والغزي على الخصوص، للارتباطات الفكرية والتمويلية ايضا، ويضاف لهذه الجماعات الجماعات التكفيرية التي تنتهج فكرا متشددا وترغب بالهجرة واقامة الدولة والخلافة الاسلامية، ومركز هذه التنظيمات في منطقة الشيخ زويد مركز رفح، ومناطق وسط سيناء، وهي تنظيمات تكفر الدولة والمجتمع باعتبارهم لا يقيمون شرع الله، ويأتي ضمن خريطة وتصنيفات الحركات والتنظيمات الارهابية في سيناء، مجموعة الخلايا النائمة التي تنتهج منهجا فكريا متشددا ومتطرفا وتكفيريا ولها رأي في الدول المجاورة، غير ان هذه الخلايا لا تشكل تنظيما بقدر ما تشكل نقاط اتصال وتواصل وتجنيد وغالبيتهم من العائدين من افغانستان او الهاربين من السجون، ولهذا باتوا يقومون بأعمال التدريب والتفجير وفقا لجهة التمويل والرعاية، وتم استغلالهم للقيام باعمال ضد اهداف مصرية واسرائيلية وفلسطينية واردنية، ولعل من ابرز التنظيمات التي خرجت من رحم الاخوان ما يعرف بأصحاب الرايات السوداء (حركة التكفير والهجرة) وغالبية قياداتها كانوا جزءا من التنظيم العسكري للاخوان المسلمين، ولها تواجد في عموم سيناءوالعريش، وهو التنظيم الذي يكفر الدولة ومؤسساتها وينظر للجيش والجنود ورجال الامن المصريين انهم كفار يستوجب قتالهم، فهم ادوات الحاكم لتوطيد حكمه وفرض سلطانه حسب ادبياتهم وافكارهم. ولعل تنظيم التوحيد والجهاد اقرب التنظيمات الى فكر القاعدة، وهم اقرب فكريا الى جماعة التوحيد والجهاد التي كان يتزعمها ابو مصعب الزرقاوي، والتي تميزت بهذا الاسم ابتداء خوفا من التقليد والاختراق من الجماعات الاسلامية الاخرى، ومنهجها التكفيري واضح للحاكم ومؤسساته، اضافة لتكفيرها شيعة السلطة والحكم، وبعد مبايعة الزرقاوي لأسامة بن لادن اصبح اسم التنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، وتم التحالف في حينه مع سبعة من الجماعات الاسلامية، وتم تكوين مجلس شورى المجاهدين الذي ترأسه آنذاك عبدالله رشيد البغدادي، اما جماعة سيناء فكانت نقطة اتصال وتنظيم وتجنيد خليفة للزرقاوي، وكان هناك أكثر من تنظيم او فرع للتوحيد والجهاد من العراقوسيناء الى مالي التي برز فيها التنظيم في آواخر عام 2011 ويوصف بأنه التنظيم المسلح والاكثر ارهابية في شمال افريقيا. وكان تنظيم التوحيد والجهاد في سيناء مسؤولا عن استهداف جنود الجيش المصري، وهو من قام بتنفيذ عملية خطف الجنود المصريين السبعة وكان المسؤول عن هذه العملية الجهادي هاني ابوشتية وهي عائلة فلسطينية مصرية، حكم عليه بالاعدام في قضية تفجيرات طابا، وقد ساهم ابوشتيه في فرار أكثر من 900 مطلوب وملاحق أمنيا للاجهزة الامنية المصرية الى سيناء، واستطاعت التوحيد والجهاد تكوين مركز قوة مستقطبة اكثر من 300 جهادي من حركة حماس وكتائب عز الدين القسام وتنظيم الاقصى وشورى المجاهدين، ويتوزع اعضاء التوحيد والجهاد في عدة مناطق في سيناء لغايات امنية واتصالية، وكانت خلية رفح المسؤولة عن مقتل 16 جنديا مصريا واصابة 7 اخرين فترة حكم الرئيس محمد مرسي، وكانت هناك اتهامات مبطنة لحكومة مرسي وعبر الاخوان المسلمين بأن هناك تنسيقا سريا قد تم مع هذه الجماعات منذ سنوات طويلة ازداد تعاظما فترة سلطة الاخوان المسلمين في مصر وغزة. أما اخطر الوحدات التي انشقت عن تنظيم التوحيد والجهاد فيدعى تنظيم الناجون من النار وقد اتخذوا موقفا عمليا من مواجهة الدولة المصرية، والتأسيس لجيش مواز للسيطرة على سيناء، عقب سيطرتهم على تجارة السلاح وتهريبه الى غزة، والى مصر، واقتنائها اسلحة ثقيلة من صواريخ ومدافع وهمرات ومضادات للطائرات تمت سرقتها من مخازن للجيش المصري عقب الاطاحة بحكم الرئيس حسني مبارك، اضافة لتهريبها السلاح من السودان والقادم من ايران ومن ليبيا عقب سقوط القذافي، وتخصصت هذه الجماعة باستهداف خطوط الغاز الطبيعي بين مصر واسرائيل ومصر والاردن، ويتراوح عدد افرادها ما بين 500 الى 700 شخص غالبيتهم ممن فصل من الجيش المصري بتهم الارتباط بالاخوان المسلمين، ولهذا يشار في ادبيات التنظيمات المتطرفة بان خبراء التفجيرات والتدريب قدموا من رحم تنظيم التكفير والهجرة ومن انشقوا عنه. اما جند الاسلام، فهم عدد نوعي من المقاتلين خريجو مدرسة الاخوان ومن خرجوا عنها لاختلافات فكرية وشكوك مبكرة في اهداف تنظيم الاخوان المسلمين، واختطوا منهجا يكفر الدولة ويشكك بالاخوان وطريقتهم، غير انه يلتقي والجماعات الجهادية الاخرى في الجهاد ضد الاسرائيليين والصليبيين والكفار، وقد مكنوا انفسهم بالتدريب الشاق، والتنظيم المؤسسي، وخطوط الاتصال الداخلية والخارجية، ومصادر التمويل والتسليح، وركزوا على المتفجرات واسلحة الار بي جي، واجهزة الاتصالات المتطورة، ومضادات الطائرات، وتتمركز هذه الجماعة في منطقة جبل الحلال وجبال المهدية، وقد اختلفوا مع جماعة شورى المجاهدين والتي تتشكل من 250 الى 400 مقاتل، اختلفوا معها لاقترابها من ايران وحزب الله، معتبرين انهم جماعة لديها خلل في الجانب العقدي، وانها تغلب السياسة والمصالح على هذا الجانب، على الرغم من فاعلية هذه الجماعة واتصالها بحماس والجهاد الاسلامي وحزب الله وايران، وامتازت بقدرتها على حفر الانفاق، والتهريب بانواعه المختلفة، واقامة شبكات الاتصال والرصد والتجسس على شبكة الاتصالات. انصار بيت المقدس والاخوان ولعل اخطر هذه الجماعات هو حركة انصار بيت المقدس وهم وبحسب القراءات الامنية يشكلون الفرع العسكري للاخوان المسلمين، وغالبيتهم من فر من مصر الى سيناء او بعض العسكريين المصريين ممن كانت له علاقة سرية مع الاخوان المسلمين، والعديد منهم هرب الى سيناء عام 1981 وعقب مقتل الرئيس المصري انور السادات، بعد حملة امنية طالت وحدات الجيش المصري، وقد كانت هذه الجماعة تستهدف الجيش المصري والاجهزة الامنية والمؤسسات الرسمية وبخاصة اجهزة وزارة الداخلية المصرية، ولهذا اعلنت الجماعة موقفا واضحا من الجيش المصري عقب سقوط نظام الرئيس محمد مرسي، وقامت بمحاولة اغتيال وزير الداخلية المصري اللواء محمد ابراهيم في سبتمبر 2013 اضافة الى اعلانها مسؤوليتها عن تفجير مبنى المخابرات العسكرية في الاسماعيلية في اكتوبر 2013، وفي 20/11/2013 اغتالت الضابط محمد مبروك احد ضباط محاكمة الرئيس محمد مرسي، واعلان مسؤوليتها عن تفجير مديرية امن القاهرة في يناير 2014، وتشير اجهزة الامن المصرية الى أن هذه العمليات توقفت تماما في عهد الرئيس المعزول الامر الذي يؤكد صحة ما ذهبت اليه في ان جماعة انصار بيت المقدس هي تنظيم يتبع تنظيم الاخوان المسلمين، حيث ابتعدت عن استهداف الجيش المصري، وركزت اهدافها بما يدعم حركة حماس وضد الجانب الاسرائيلي. وقد كشفت مصادر تنتمي للسلفية الجهادية أن «أنصار بيت المقدس» تضم عدداً كبيراً من جنسيات مختلفة، معظمهم تلقوا تدريبات في أفغانستان، وبعضهم على صلة بتنظيم «القاعدة». ونسبة كبيرة من الأعضاء من مصر وفلسطين، إلى أعداد أقل من العراق ولبنان. وقد تدربوا بعد الفوضى الأمنية الكبيرة التي سادت في أعقاب ثورة 25 يناير على تفخيخ السيارات بعد سرقتها. وتعتمد انصار بيت المقدس على جهاز استخباراتي خاص تدرب في غزة وفي ايران، يدعى جهاز الباحث والكاشف، يقوم بعمليات استخباراتية وجمع معلومات لأطراف عديدة، وكان المسؤول عن محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري اللواء محمد ابراهيم، اضافة الى اغتياله شيوخ القبائل والقيادات الامنية في سيناء، وعلى الرغم من هذه الاهمية والدور الكبير لتنظيم بيت المقدس، ووضوح استهدافه للامن المصري بعد سقوط حكم الاخوان وتنفيذ أكثر من 800 عملية مسلحة، الا ان المعلومات تفيد بان هذا الجهاز مخترق من قبل اجهزة استخبارات اقليمية مثل جهاز استخبارات حزب الله وحركة حماس والموساد الاسرائيلي والمخابرات الايرانية والامريكية والالمانية، ولهذا تتوقع الاجهزة الامنية المصرية ارتفاعا في عمليات استهداف الامن المصري في الاشهر القادمة!!