انضمت بريطانيا إلى موسم الانتخابات الأوروبي، وذلك بدعوة مفاجئة من رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى إجراء انتخابات في 8 حزيران (يونيو) المقبل. وعلى عكس الانتخابات الفرنسية التي تجرى دورتها الأولى الأحد المقبل ويرجح أن تستبدل باليمين حكم اليسار المتمثل بالرئيس فرنسوا هولاند، فإن الانتخابات البريطانية تحاكي الاستمرارية المتوقعة بعد الاستحقاق الألماني المقرر في أيلول (سبتمبر) المقبل، وذلك لجهة تعزيز الغالبية التي يتمتع بها المحافظون في مجلس العموم (البرلمان)، نظراً إلى تقدمهم على «العمال» في الاستطلاعات بأكثر من 21 نقطة. ولم تخف ماي رغبتها في استعادة حزب المحافظين بزعامتها، دفة القيادة في شكل أقوى وأكثر صلابة وقدرة على إنجاز عملية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، فيما اعتبر خصومها وفي مقدمهم رئيسة الوزراء الاسكتلندية نيكولا ستيرجن أن ماي تخطط لطلاق عسير مع الاتحاد، بمعنى أنها لن تسعى إلى ترتيبات بديلة تبقي للمملكة المتحدة امتيازات في أوروبا على غرار السوق المشتركة وحرية التنقل وغيرها. وبدا واضحاً من كلام رئيسة الوزراء البريطانية عن «المصالح القومية» و «وحدة البرلمان» مستقبلاً، أنها تهدف من خلال الانتخابات إلى إحلال غالبية واسعة لحزب المحافظين، تمكنه من إسكات أي معارضة لخطط الحكومة مستقبلاً. وقالت ماي في بيان تلته خارج مقرها في «10 داونينغ ستريت»: «توصلت إلى أن السبيل الوحيدة لضمان الاستقرار والأمن لسنوات مقبلة هو إجراء الانتخابات الآن». وحضت البرلمان على الموافقة على اقتراح الانتخابات المبكرة في تصويت يجرى اليوم. وأفيد بأن رئيسة الوزراء البريطانية أجرت مشاورات عبر الهاتف في هذا الشأن مع الملكة إليزابيث الثانية التي لم تمانع إعلان حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات، إذا أجمعت القوى السياسية على ذلك. وشكلت خطوة ماي تحولاً عن مواقفها السابقة التي أكدت أنها لن تجري انتخابات عامة قبل موعدها المقرر في 2020. ولإجراء انتخابات مبكرة يتعين أن يصوت ثلثا أعضاء مجلس العموم على ذلك. وعلى رغم تدهور شعبيته، فإن زعيم المعارضة العمالية جيريمي كوربن رحب بالانتخابات المبكرة، مؤكداً أن حزب العمال سيقدم للبلاد بديلاً فعالاً للحكومة التي قال إنها لم تنجح في إعادة بناء الاقتصاد، وانخفضت في عهدها مستويات المعيشة، وأضرت نتيجة تقليصها الميزانية بالمدارس ونظام التأمين الصحي. أما زعيم حزب الديموقراطيين الأحرار تيم فارون، فاعتبر الانتخابات المبكرة فرصة لتغيير مسار البلاد وتجنب خروج فادح من أوروبا وبقاء بريطانيا في سوق موحدة، مدغدغاً بذلك مشاعر المناهضين للانسحاب من الاتحاد الأوروبي والذين يشكلون نصف الناخبين في البلاد. وتسعى ماي إلى استعادة الإمساك بالسلطة في شكل محكم أكثر، وذلك لتفادي التشكيك بسياساتها خلال مفاوضات الانسحاب، بعدما لوّح «العمال» بالتصويت ضد اتفاق الخروج النهائي من الاتحاد الأوروبي. كما توعد «الديموقراطيون الأحرار» وهو الحزب الثالث في البلاد، بإعاقة عمل الحكومة في ما يتعلق بمفاوضات الانسحاب، فيما هدد الحزب القومي الاسكتلندي بالتصويت ضد المفاوضات. وأشارت ماي إلى تلك التهديدات، كما لفتت إلى تعهد أعضاء مجلس اللوردات ب «محاربتنا في كل خطوة نخطوها»، علماً أن غالبية في المجلس غير المنتخب لا تخفي معارضتها الطلاق مع أوروبا. وقالت رئيسة الوزراء البريطانية: «إن لم نجر انتخابات عامة الآن، فسوف يستمر تلاعبهم السياسي، وسوف تبلغ المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي أصعب مراحلها قبيل موعد إجراء الانتخابات العامة المقبلة». وتحدت ماي أحزاب المعارضة قائلة: «هذه هي اللحظة المناسبة لتظهروا أنكم تعنون ما تقولون، لتظهروا أنكم لا تعارضون الحكومة من أجل المعارضة فقط، ولتظهروا أنكم لا تتعاملون مع السياسة كلعبة. دعونا نصوت على إجراء انتخابات، ونضع خططنا قدماً من أجل الخروج من أوروبا، وبرامجنا البديلة للحكومة، وعلى الشعب أن يقرر». في الردود الخارجية، أعرب وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل عن أمله بأن تؤدي الانتخابات المبكرة في بريطانيا إلى مزيد من «الوضوح» في مفاوضات الانسحاب. وعلق رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك بسخرية على دعوة ماي واعتبر أنها تمثل تطوراً مثيراً في موضوع الانسحاب، على غرار ما كان يحدث في أفلام رائد الإثارة والتشويق ألفريد هيتشكوك.