جزيرتا «تيران» و «صنافير» يجري التنازع عليهما بين مصر والمملكة العربية السعودية. خلال العام الماضي، جرى توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين الدولتين، أقرت مصر فيها بملكية الجزيرتين للمملكة العربية السعودية. خلقت الاتفاقية أزمة داخل مصر، وبالتحديد داخل القضاء المصري الذي تفاوتت قراراته بين مؤيد للاتفاقية وحق السعودية بهما، وبين قرارات قضائية نقضت الاتفاقية وأصرت على ملكية مصر لهما. لا يزال النقاش دائراً والخلافات والاتهامات المتبادلة قائمة، وانتقلت المشكلة إلى المجتمع المصري. لم تتوقف الكتابات من هذا الجانب أو ذاك، ولعل الكتاب الذي أصدره الصحافي مصطفى بكري بعنوان: «تيران وصنافير، الحقيقة الكاملة» هو من الكتب التي تضيء هذه المعضلة، خصوصاً أنه مدعّم بوثائق كثيرة تؤرّخ للخلاف القديم– الجديد حول هذه المشكلة. صدر الكتاب عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت- 2017. انقسم المجتمع المصري وممثلوه من رجال السياسة والإعلام، حيث دافع كل طرف عن وجهة نظره. لم يخل السجال من التشكيك في الوثائق الصادرة عن وزارة الخارجية المصرية وعن دار الوثائق القومية، كما جرى اتهام الحكومة المصرية بإعدام المستندات التي تؤكد مصرية جزيرتي «تيران وصنافير». يشير الكاتب إلى تجاهل المدافعين عن مصرية الجزيرتين الأسس الفنية والعلمية والاتفاقات الدولية التي وقّعت عليها مصر في أوقات سابقة، والتي شكلت المرجعية الأساس لاتفاقية تعيين الحدود البحرية. أبرز هذه الاتفاقيات التي وقّعت عليها مصر وباتت قوانين ملزمة هي: اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار عام 1983، استخدام نقاط الأساس المصرية على البحر الأحمر وخليج العقبة وعددها 56 نقطة، والتي تكرّست بقرار رئاسي عام 1990، حيث تضمّنت خروج جزيرتي تيران وصنافير عن المياه الإقليمية المصرية، وهو إقرار جرى إيداعه لدى الأممالمتحدة. كما جرى استخدام نقاط الأساس السعودية على البحر الأحمر وخليج العقبة وعددها 78 نقطة، وهي مودعة لدى الأمين العام للأمم المتحدة منذ عام 2010. في التطور التاريخي المتصل بالجزيرتين، يعود الكاتب إلى زمن السيطرة العثمانية على مصر في القرن التاسع عشر، فيشير إلى أن الجزيرتين تتبعان في الأصل مملكة الحجاز. وفي عام 1805، وبعد تعيين السلطان العثماني محمد علي الكبير والياً على مصر، جرى ضم كل من شبه جزيرة سيناء وميناء العقبة إلى مكةالمكرمة والمدينة المنورة، على أن تتولى مصر تنظيم الملاحة البحرية في الميناء. وفي الربع الأول من القرن العشرين، تجدّد الجدال حول الجزيرتين، وقد أكدت مصر ملكيتها لهما، وجرى الاستناد إلى اتفاقية 1906 حول خليج العقبة، وجاء في أحد الردود المصرية حرفياً: «إن الجزيرتين تعتبران من وجهة النظر الجغرافية جزراً واقعة داخل شبه الجزيرة العربية وليس منطقة سيناء، حيث أنهما تقعان في الجزء العربي من المياه العميقة لخليج العقبة، ولم تتم تسوية وضعهما السياسي حتى الآن. والجزيرتان غير آهلتين بالسكان في الوقت الحاضر، ويتعين كما هو مفترض أن تؤول ملكيتهما للبلد الأول الذي وضع يده عليهما، وتعود ملكيتهما له آنذاك» (وثيقة رقم 6). في عام 1950، تجدّد النزاع حول ملكية الجزيرتين، خصوصاً بعد أن عمدت القوات المصرية إلى رفع العلم المصري فيهما، وهو ما أثار المملكة العربية السعودية، وقد طرحت المملكة الموضوع في سياق منع إسرائيل من احتلالهما، فعمدت الحكومة المصرية إلى احتلال الجزيرتين وإلحاقهما بالسيادة المصرية، من دون اعتراض المملكة على ذلك، وذلك من خلال برقية أرسلها الملك سعود إلى وزارة الخارجية المصرية جاء فيها :»سرّنا نزول القوات المصرية في جزيرتي تيران وصنافير، لأن أمر الجزيرتين كان مقلقاً لنا، كما هو مقلق لمصر. إن المهم هو الحفاظ عليهما، فوجود القوة المصرية فيهما أزال ذلك القلق والحمد لله». منذ عام 1954، تجدّد الجدل حول الجزيرتين، حيث ادعت مصر ملكيتهما، وقد علّل المندوب المصري هذه الملكية بالقول إن الجزيرتين تحت الإدارة المصرية منذ عام 1906، وإن الاتفاق الذي تم مع السعودية قد أكد أن هاتين الجزيرتين جزء من إقليم مصر. وفي عام 1956، وبعد انسحاب إسرائيل من جزيرة سيناء، عاد المندوب السعودي في الأممالمتحدة ليعلن تمسك بلاده بملكية الجزيرتين. وعشية حرب حزيران (يونيو) 1967، طلبت مصر سحب قوات الطوارئ الدولية، واحتلت القوات المصرية المواقع الإستراتيجية على الحدود. وألقى الرئيس المصري آنذاك خطاباً أكد فيه أن الجزيرتين مصريتان، وذلك لتبرير إغلاق مضيق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية. بعد توقيع الصلح بين مصر وإسرائيل في عام 1979، جرى تبادل الرسائل بين الخارجيتين المصرية والسعودية، حيث اعتبر الوزير السعودي أن هيمنة مصر على الجزيرتين قبل توقيع الاتفاقية مع إسرائيل له ما يبرره لتعزيز مواقع الدفاع المصرية. أما بعد اتفاقية الصلح هذه، فمن الضروري مناقشة الموضوع بين الدولتين بهدف إعادة الجزيرتين إلى حكومة المملكة العربية السعودية، وكان ذلك في عام 1988. أما الرد المصري على الطلبات السعودية، فجاء عبر قرارات لمجلس الوزراء المصري، فجاءت عام 1990على الشكل الآتي: «إن حكومة جمهورية مصر العربية تقرّ بتبعية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، وأن مصر قامت في الحقيقة بالوجود فيهما في عام 1950 من أجل حمايتهما وتوفير الأمن لهما، وأن ذلك قد تم بمباركة من المملكة العربية السعودية». وتابعت الحكومة المصرية القول إن مصر تطلب، بالنظر إلى الظروف المحيطة بالجزيرتين، من شقيقتها المملكة العربية السعودية أن يستمر بقاء الجزيرتين تحت الإدارة المصرية وذلك بصفة موقتة إلى حين استقرار الأوضاع في المنطقة. منذ ذلك الوقت، لم تتوقف الرسائل المتبادلة بين الدولتين، إلى أن حسمت الحكومة المصرية أمر إعادتهما إلى المملكة. انتقل النزاع إلى داخل مصر واتخذ شكل التمسّك بسيادة أرض مصرية، وقامت حملة اعتراض لم تنته، ولا يتوقع لها أن تنتهي سريعاً، مطالبةً بالتمسّك المصري بالجزيرتين. * كاتب لبناني