إذا قرأنا الصورة الفوتوغرافية سيميولوجياً وفق رولان بارت، سنجد أنفسنا نتجاوز بناءَها السطحي إلى العميق في تفاصيلها. وهذا ما تجسده صور المعرض الذي يقام في المتحف الوطني للفنون الجميلة في العاصمة الأردنية عمّان تحت عنوان «ابتسامة في منتصف الطريق». ويتناول المعرض الذي افتَتح برعاية الأميرة وجدان الهاشمي، حياة الرسامَين المكسيكيَّين فريدا كالو ودييغو ريفيرا، من خلال 45 صورة، طرحت نصوصُها البصرية بعدَين متداخلين دلالياً؛ الأول فني، والثاني تاريخي. وفي سياق التحضير للمعرض، عقد المدير العام للمتحف خالد خريس، مؤتمراً صحافياً في حضور السفير المكسيكي في عمّان أنريكه روخو، استعرض فيه البعدَ الفني الذي تتوافر عليه الصور متمثلاً في براعة توقيت اللقطات؛ ومواضيعها، وإطاراتها، وألوانها، وإيقاعاتها. وكانت غالبية الصور التُقطت في الفترة من ثلاثينات القرن الماضي حتى نهاية خمسيناته، من قِبل مصورين محترفين مثل غييرمو كالو، وبيتر جول، وغييرمو ثامورا، ونيكولاس موراي، وإدوارد ستون، ومانويل ألفارث برافو، وخوان غوثمان، الذين كانوا شاهدين على لحظات الإبداع والحميمية في حياة فريدا ودييغو وعلاقتهما ببعضهما بعضاً. وأظهرت التكوينات تمايزاً جمالياً في كلّ صورة، سواء عند اجتماع هذين الفنانين في مواقف عاطفية جريئة، أم في لقطات لفريدا كالو وهي على سريرها ترسم لوحة «طبيعة الحياة»، أو في لقطات لريفيرا مع أحد حيواناته الأليفة (القرد). وهناك لقطات لفريدا وريفيرا أثناء إنجاز لوحاتهما التشكيلية، وخلال مشاركتهما أصدقاءهما في اجتماعات وتظاهرات سياسية كاحتفالات ايار(مايو) العمالية، وفي التحضير لمجلة ثقافية يسارية كالتي جمعت ريفيرا مع الشاعر بابلو نيرودا. وهناك أيضاً لقطات أمام الجدارية المشهورة في المكسيك التي رسمها ريفيرا تحت عنوان «كابوس الحرب وحلم السلام»، وأثناء تظاهرة شارك فيها ريفيرا ضد التدخل الأميركي في غواتيمالا. وإلى جانب ذلك، تحضر الصور التي التُقطت للفنانين في سن الطفولة والصبا، إذ إن أول صورة لكالو تعود إلى عام 1911، ولريفيرا إلى عام 1890. كما يضم المعرض صوراً ترمز إلى رحيلهما عن الحياة، على غرار صورة جنازة كالو عام 1954، وكان نعشها مغطّى بالعلم الأحمر بشعاره الشهير، وعلى غرار صورة نعش ريفيرا في الأستوديو الخاص به عام 1957، محاطاً بلوحات تشكيلية وشّحت مرسمه. ويتجاوز سياقُ التلقي الرؤيةَ الأيقونية للصور إلى مستويات دلالية ثقافية أخرى، إذ تؤشر مواضيع الصور الى الفضاء اليساري الذي تنتمي له هاتان الشخصيتان، بتوجهاتهما الجمالية والسياسية والاجتماعية المختلفة. كما تُظهر الصورُ البعدَ التاريخي، إما عبر أزياء الموضة في فترات مختلفة من حياة كلٍّ من الفنانين، أو عبر الحوادث التي مرا بها والتي تحيل على مُعطى تاريخي محدد، بفعل نتاج الحوادث السياسية والثقافية والاجتماعية التي عاصراها. ويشهد المعرض عرض مجموعة مختارة من لوحات فريدا وريفيرا التشكيلية من خلال شاشة تلفزيونية، حيث تَظهر المستويات الجمالية في السطوح البصرية للّوحات، لوناً وكتلاً. ويُعرَض فيلمان أثناء أيام المعرض يتناولان حياة كالو؛ أحدهما من إنتاج أميركي تنهض ببطولته سلمى حايك التي تقدم دور فريدا، والآخر مكسيكي. يؤكد هذا المعرض أن الصورة الفوتوغرافية تمثل لغة تواصلية فعّالة، تشتبك مع النصوص المُسبقة في عقولنا عن مواضيعها، ما يجعلها قادرة على إنتاج المعنى والتعبير عن حقبة تاريخية ممتدة.