وزير الحرس الوطني يستقبل وزير إدارة برنامج الاستحواذ الدفاعي في كوريا    الفيحاء يتغلّب على الخلود بهدف في دوري روشن للمحترفين    244 مليونا تعيق رحيل نيمار    علاج مكثف لتجهيز الجوير    مصر تفتح التأشيرات لفئات من السوريين    تنصيب تاريخي وملفات ساخنة ترمب الرئيس ال 47 للولايات المتحدة الأمريكية    أمير تبوك ونائبه يواسيان أسرة السحيباني    أمير القصيم يرعى ملتقى فرصتي    وفد المملكة المشارك في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي 2025 يلتقي بمؤسس ورئيس المنتدى    النصر يمدّد عقد "الخيبري" حتى 2029    ريما بنت بندر تحضر حفل تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب    أمير الرياض يطّلع على إنجازات التدريب التقني والمهني    نائب أمير مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    شبكة القطيف الصحية تحتفي بإنجازاتها بحفل ختامي لعام 2024    ترمب يؤدي اليمين الدستورية رئيسا للولايات المتحدة    الأسواق الأوروبية تغلق باللون الأخضر بالتزامن مع تنصيب ترامب    وزير النقل تحت قبة الشورى الاثنين المقبل    «التجارة»: استطلاع آراء المهتمين بمشروع لائحة نظام السجل    تنظيم الملتقى السنوي العاشر للجمعيات العلمية بجامعة الملك سعود    كاسيو سيزار على أعتاب الهلال.. صحيفة برتغالية توضح تفاصيل الصفقة المُرتقبة    عبدالعزيز بن سعد يستقبل رئيس جامعة حائل المكلف    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته لمراكز " قيا شقصان كلاخ والسديرة"    بوتين: مستعدون للحوار مع إدارة ترمب    قفزة قياسية للائتمان المصرفي السعودي إلى 2.93 تريليون ريال    إدارة التحريات والبحث الجنائي بشرطة الرياض تقبض على 9 أشخاص ارتكبوا 33 حادثة احتيال مالي    مجمع الملك عبدالله الطبي بجدة ينجح في إنهاء معاناه مريضتين مع السلس البولي الإلحاحي المزمن    «التجارة» تضبط معملًا للغش في المواد الغذائية ومستحضرات التجميل بمنزل شعبي وسط الرياض    أمين القصيم يلتقي وكيل الوزارة المساعد للتخصيص    281 شاحنة مساعدات إنسانية تدخل قطاع غزة    نائب أمير تبوك يستقبل قائد حرس الحدود بالمنطقة    50 طبيب ومختص يتدربون على التعامل مع حوادث الإصابات الجماعية بجامعي الخبر    مستشفى قوى الأمن بالدمام يحصل على شهادة اعتماد "حياك" كأول مستشفى حكومي في المملكة    عملة «ترمب» تمحو مكاسبها.. تراجعت 98% خلال ساعات    إصابة أربعة أطفال في إطلاق نار وانفجار جسم من مخلفات الاحتلال في مدينة رفح    تسريبات من خطاب التنصيب.. ترمب: موجة التغيير ستجتاح أمريكا    من القيد حتى الإغلاق.. المحاكم العمالية تختصر عمر القضية إلى 20 يوماً    بمشاركة أكثر من 130 دولة..انطلاق المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس اليوم    الموارد البشرية تُكمل إطلاق خدمة "التحقق المهني" للعمالة الوافدة في 160 دولة    مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع قسائم شرائية للكسوة الشتوية على اللاجئين السوريين في الأردن    الأهلي بلا حراك.. والجماهير تسأل: أين الصفقات؟    استخدام "الجوال" يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بنجران    رئيس الهيئة العامة لشؤون الحج والعمرة الليبي يزور حي حراء بمكة    وفد من الشورى يطلع على خدمات منطقة الحدود الشمالية    أمير الرياض يعزي في وفاة المباركي    نصائح للكاتب الهازئ في إرباك القارئ    الصداقة بين القيمة والسموم، متى يكون التخلص من الأصدقاء ضرورة وليست أنانية؟    قصة «جريش العقيلي» (1)    البرازيلي «ريتشارليسون» يقترب من دوري روشن    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية في وفاة الشيخ عبدالله الصباح    الجار    جمعية أصدقاء ذوي الإعاقة تنظّم بطولة رياضية    نورة الفيصل ل«عكاظ»: «فنون التراث» تبرز الهوية السعودية برؤية عصرية    التدخين والمعسل وارتباطهما بالوعي والأخلاق    شرب ماء أكثر لا يعني صحة أفضل    النجدي مديرًا لمستشفى الملك فهد في جازان    محمد سعيد حارب.. صانع أشهر مسلسل كرتوني خليجي    الحب لا يشيخ    السديس: لحظة تاريخية استثنائية.. إطلاق أكبر هيكلة تنظيمية برئاسة الشؤون الدينية في الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات السجين العراقي حيدر الشيخ علي ينتحلها عبد الرحمن منيف ويُسقط الاسم
نشر في الحياة يوم 01 - 04 - 2017

حتى تعرف بطل رواية «الآن، هنا» لعبد الرحمن منيف (الطبعة الأولى 1991) يجب ان تعرف بطلها العراقي. وحتى تعرف بطلها العراقي يجب ان تعرف ديرسو اوزالا بطل المخرج الياباني كيرو ساوا . والعراقي هو حيدر الشيخ علي. كنت اسميه «ابن الأرض»، نقابي، مفعم حيوية، وذكاءً فطرياً، لا تصنعه أطنان من الكتب، سرعة بديهة وروح مراح، تلتقط مفارقات الحياة. كلما شاهدت فيلم كيرو ساوا « ديرسو اوزالا» تذكرت حيدر. ذاك صياد ماهر، ابن البراري، العارف بخبايا الطبيعة، نذر العواصف وآثار النمور، والضواري، في اقاصي سيبيريا. هو الناجي في وسط صحارى الثلج والغابات، المستأنس بزئير المفترسات، وحفيف أشجار الغاب، يعجز عن العيش في المدينة، ويقتل فيها في اول لحظة غفلة. حيدر، شارك مع عبد جاسم وآخرين في اشعال اول اضراب عمالي (عمال الزيوت) بوجه نظام الحزب الواحد البعثي. كان المتفاوض عن السلطة صلاح عمر العلي، عضو مجلس قيادة الثورة آنذاك الذي أمر بالهجوم أخيراً. يتذكر العمال حيدر الشيخ في عمله مع د.عبد جاسم (رئيس لجنة الإضراب والتفاوض) في التفاوض الجريء الواضح. حملة التصفيات التي بدأها نظام الحزب الواحد البعثي بزعامة صدام حسين، عام 1978، حملت حيدر الى الجارة إيران، في تنظيم سري وسط المهجرين العراقيين.
يوم زرت إيران صحبة زهير الجزائري وحكمت داود في جولة بحث ميداني ربيع 1981، التقيت حيدر مراراً. خشينا عليه من تكرار اللقاء. رسمياً، كنا نحمل جوازات يمنية وبضيافة سفارة فلسطين لا كعراقيين. ودعنا بذكريات مرحة، فرحة، كعهده دوماً في التقاط كل ضروب الفكاهة من واقع الحياة. لا أحد يجاريه فيما يسميه الفرنسيون: سرعة البديهة. فهو تجسيدها الحيّ. صدمت يوم عرفت، بعد زيارة شهر كامل لإيران، وعودتنا، زهير وحكمت وأنا، الى دمشق «قلب العروبة النابض» بالكراهية، ان جهاز المخابرات الإيراني ألقى القبض عليه بتهمة التجسس للعراق. حصل ذلك أواخر عام 1981.
لسبب ما شعرت اننا كنا السبب في انكشافه. لعل رغبته العارمة في مرافقتنا، (والقيام بدور المضيّف السخي) أنسته بعض ضرورات التكتم في أجواء الريبة التي ترافق الأنظمة الجديدة، خصوصاً إذا كانت تخوض حرباً داخلية وخارجية. عاماً بعد عام كنت انتظر اخباره، أجهزة المخابرات لم تكتف بالسعي الى «قنص» اليساريين العراقيين، بل فتحت ابوب الجحيم على اليسار الإيراني: توده، فدائي خلق. انقلبت الثورة على اليسار الذي دعا اليها وساهم فيها، وأخلص لها.
يوم خرج حيدر، بوساطات من سوريا (الأسد –الأب) وساطات اثبتت ان لا صلة له بالجاسوسية المزعومة، كان أشد نحافة مما كان عليه. فآثار الأصفاد، والتعليق من السقف، والفلقة والجلد بحبل (كيبل) معدني، لاتزال تحكي ملحمة العذاب. استمعت إليه، يروي الحكاية تلو الأخرى، بأسلوبه القصصي، العفوي، الشيق. في هذه القدرة على السرد الجذاب لا يجاريه أحد من كتاب القصة، سوى عربي واحد: يوسف ادريس، تشيخوف العرب (برأيي اللامتواضع).
كانت كلماته الحارة، المفعمة بالحياة تتحول في مخيلتي الى صور حية، أولجتني الزنزانة الانفرادية التي تركوه فيها قرابة ثلاثة اعوام او نحوها، كيما يتفكك، وينهار، فيركع عند اقدام جلاديه، او يصاب بلوثة جنون. اكتشف الجلادون (أصحاب عمائم) انه من معدن آخر، لا ينكسر، ولا ينثلم، مثل معدن كوكب السوبرمان: كريبتون.
حكايته في سجن ايفين هي حكاية جيل كامل من اليساريين الذين قضوا، او تحطموا، او شنقوا، في سجون الفاشية العلمانية والدينية سواء بسواء. سجلت حكاياه، واستنطقته، لحظة لحظة على مدى أيام، وتجمعت الذكريات في أكثر من عشرة شرائط (كاسيت)، بثلاث ساعات لكل شريط. اودعني حيدر ذكرياته لأصوغها كتاب وقائع، بلا تزويقات، بلا رتوش: الحقيقة العارية.
في مصادفة (سيئة او حسنة؟) التقيت الروائي الراحل عبد الرحمن منيف وتجاذبنا الحديث على وقعة «سمك مسقوف» أعدّتها شلة مثقفين عراقيين جاؤوا مثله الى المنفى الدمشقي. حدثته عن ديرسو اوزالا العراقي، حيدر الشيخ علي. التمس منيف ان يطّلع على مضمون تسجيلات السجن. كان هذا خريف عام 1988.
لم يُعِدْ منيف الأشرطة كما وعد، على رغم تكرار مطالبتي. ثم حدث أنْ توجهت، مع كثرة، الى المنفى الجديد، لندن.
بعد عام او نحوه، صدرت رواية منيف: «الآن، هنا». وصلت 3 نسخ هدية من المؤلف الى بطل الرواية حيدر الشيخ علي (نقلها له الصديق انتشال هادي)، وهي تحمل اهداء بخط يد منيف: «ربَّ أخ لك لم تلده أمك». ووصلت نسخة أخرى لي، هذه النسخة تحمل مقدمة بقلم المسرحي الراحل سعدالله ونوس، الضمير الثقافي الحيّ. تقع الرواية في 3 اقسام: الأول، الدهليز، مقدمة متخيلة عن لقاء يساريين في براغ. الثاني، حرائق الحضور والغياب، والثالث، هوامش أيامنا الحزينة. مضمون قسم حرائق الحضور والغياب منقول نصاً عن مذكرات حيدر المسجلة صوتياً، كما ان هناك موتيفات منها في القسم الثالث. وبهذا اعتمدت الرواية اعتماداً شبه كامل على ذكريات حيدر. كان الاهتمام بتعرية القمع مسّرة لكل من له ضمير، ومبعث اعتزاز لنا ان تجد تجربة حيدر طريقها الى الانتشار.
لكن الرواية كما مقدمة ونوس خلت من أي إشارة الى صاحبها، صحيح ان مكان وزمان الحوادث ألغيا تماماً، في إطار ترميز فني او تهرب من الواقع، الا أن حيدر، شأني انا، أصيب بما يشبه الصدمة بسبب اغفال ذكر مصدر القصة الذي اخذ في شكل نصيّ. ما السبب في إلباس هوية البطل طاقية إخفاء او اغفال المصدر؟ هل هو الاعتقاد بأن من حق الروائي أخذ كل ما يصادفه، نوع من الاعتقاد بامتلاك الأشياء بمجرد ان يقع بصر المرء عليها؟ ام الاعتقاد بأن تحرير المادة فنياً يلغي حق انتسابها إلى لآخر؟ أم هو إغفال غير مقصود؟ ام هو إقصاء لهوية الشيوعي بدافع تحزّب أيديولوجي؟ لقد رحل منيف ولن نعرف جليّة الأمر. لعله اودع مكنونه لشخص ما، سنظل بانتظاره حتى لو كان غودو بيكيت! لكن الثابت ان حق الملكية الفكرية غائب.
منذ نحو عقد من السنوات، ترك حيدر منصبه الوزاري (وزير النقل) في حكومة إقليم كردستان العراق. وتخلى مؤخراً عن موقعه في اعلى هيئة قيادية للحزب الشيوعي العراقي طواعية، فاسحاً الطريق، بملء إرادته للجيل الشاب. ومنذ عقد أيضاً وهو يقاتل مرضاً عضالاً بهدوء نادر. قبل أيام (25 آذار- مارس )2017 اتصل بي هاتفياً من أربيل متذكراً محنته في السجن ومحنته في سلب هويته وتجربته. ها أنذا أدون شهادتي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.