بدا «عمل» سوزان فيليبس في معرض غاليري «تيت بريتن» للأعمال الأربعة المرشحة لجائزة ترنر الأقل احتمالاً للفوز، لكن الفنانة السكوتلندية التي تعيش في برلين نالت ليلة الإثنين أهم الجوائز الفنية البريطانية وشيكاً بقيمة خمسة وعشرين ألف جنيه استرليني. اقتصر عملها على ثلاثة مكبرات للصوت انبعث منها تسجيل لها وهي تغني ندباً سكوتلندياً، «الأرض المنخفضة»، لعاشق يغرق ويعود بعد موته شبحاً يندب عجزه عن لقاء الحبيبة، أو عاشقة تغرق وتعود شبحاً تندب عجزها عن لقاء الحبيب. ركزت فيليبس (44 عاماً) طوال خمسة عشر عاماً على «التجهيزات الصوتية» باعتماد الغناء «تجربة نحتية وجسدية»، ومن أعمالها إنشاد أغنية على مكبر الصوت في سوبرماركت. تعتبر تجهيزاتها نحتاً صوتياً وبصرياً بفعل الصور التي يولدها في العقل، وتستكشف علاقة الصوت بالمكان، وانتقال العاطفة منه الى السامع. تتفحص سلوكه وأثره وتغييره مفهوم المساحة التي يمتد فيها. بثت الندب أصلاً تحت ثلاثة جسور في غلاسغو، مدينتها، وبرز فيه التكرار وتوهج الذاكرة والحب المفقود. هي الفائزة الأولى عن تجهيز صوتي، وتوقع كثيرون نيلها الجائزة، في حين سخر نقاد ومتذوقون من العمل. يتضمن الغناء صمتاً يطول خمساً وثلاثين ثانية بين الحين والآخر، ويذكر بفيلم «60 دقيقة صمت» لجيليان ويرينغ الذي صوّر ستة وعشرين شرطياً صامتاً مدة ساعة، وفاز بالجائزة في 1997. الغرفة الفارغة إلا من ثلاثة مكبرات للصوت أعادت الى الذاكرة تجهيز مارتن كريد الفائز في 2001 الذي حوى بضعة مصابيح تطفئ وتضيء. قالت فيليبس إننا نتعاطف مع الصوت البشري، وإن عملها «تطور طبيعي» من النحت بالمادة الى النحت بالصوت الذي تراه يعزّز الإحساس بالذات وما حولها. الأعمال الثلاثة الأخرى التي رشحت للجائزة والتي يفترض أن تكون أفضل الإنجازات الفنية البريطانية هذا العام ضمت لوحتين وأفلام فيديو. ينتقي دكستر دالوود (49 عاماً) أحداثاً بارزة ويرسمها من دون موضوعها. هل يتعلق هذا الخيار بأصالة ما أو بادعاء يتهافت مع إعمال العقل؟ اتهم دالوود بالتقليد الأدنى مستوى للعمل الأصلي، واستغلال أسماء المشاهير في لوحات تفتقر الى الجمال. لوحته «موت ديفيد كيلي» عن «انتحار» عالم بريطاني في ظروف غامضة خلال الحرب على العراق. يغيب كيلي، والعاطفة أيضاً، عن اللوحة التي تظهر منحنى وجذع شجرة يضيء خلفها قمر متطاول قال دالوود إنه توصل بالبحث الى معرفة قياسه بالضبط تلك الليلة. في المعرض أعمال أخرى لدالوود منها «علم أبيض» التي استعار عنوانها وموضوعها من الفنان الأميركي غاسبر جونز. تستعيد اللوحة حرب الفلوجة في العراق عام 2004، وتعتمد النجوم والخطوط الشاحبة نفسها وإن جعلت العلم الأميركي حائطاً بين مركز عسكري أميركي وأرض مشققة تنتهي بمساحة تزيينية صارخة الألوان تشمل سجادة وشيشة وأحذية نسائية تذكر ن «نساء الجزائر» لدولاكروا. لوحات دالوود الست حققت كلها بالزيت، وجمعت الشكل والتشكيل، معتمدة غالباً الألوان القوية وتعارض الضوء والظلمة، مع إضافة القليل من الكولاج. تحتج مجموعة «ستاكيستس» أمام مبنى «تيت بريتن» كل عام احتجاجاً على غباب الرسم عن الأعمال المرشحة، وتفضيل المسؤولين عنها إثارة الجدل أساساً. على أن أدوات الرسم التقليدية عادت الى الجائزة في السنوات الأخيرة بعد طغيان صارخ للفن المفهومي بعدته المبتذلة الفانية من حيوانات وأطعمة وألبسة وأثاث. قدّم دالوود هذه السنة مثلاً عن تعريف الرسم، وتنوع مزاج لوحاته بين الخواء الموحش وبعثرة الحياة والزخرفة المتفائلة لوناً وشكلاً. أنجيلا دي لا كروز الإسبانية الأصل تغطي اللوحة بلون واحد وتغير طبيعتها بتعليقها على منحنى }خشبي فإذا بها تشبه المعطف، أو ترميها على الأرض داخل إطار غير متجانس وتثنيها فتصبح غطاء للمهملات. ترسم درجة أو أكثر من اللون الواحد بالزيت والأكريليك، وتكتسب أعمالها طاقة بارزة من الشكل المتجدد الذي تحصل عليه بالثني والتثبيت والفلش، وطي القماش على ألواح وصناديق. تدرج لوحتها في إطار الفن المفهومي مع إخلاصها لتحديد الرسم، وتخالف الضوء بالعتمة في الأصفر الفاقع والوردي الزاهي والأسود. وبدلاً من الكرسي الفارغ المألوف لدى الفنانين قديماً وحديثاً، تضع كرسياً فوق آخر فتغير صورته الأليفة وعلاقته بالإنسان، وتصنع صورة أخرى ترتبط بالفراغ والحشد في وقت واحد... خلو البيت والمقهى، أو استعدادهما لحشد متوقع. أخذ ثنائي «أوتوليث غروب» اسمه من قسم في الأذن الداخلية يتعلّق بالجاذبية والاتجاه. تعرض أنجليكا ساغا وكودوو أيشون فيلماً على شاشة كبيرة يناقش علاقة الفن بالذاكرة والخيال. يبدأ بسيناريو كتبه المخرج الهندي ستياجيت راي لفيلم لم يحققه في 1967 عن صداقة بين فتى بنغالي ومخلوق فضائي لطيف، ويتناول الشخصيات التي تبحث في الواقع عن أشخاص يلعبون دورها. يعرض الثنائي أيضاً على ثلاث عشرة شاشة صغيرة حلقات مماثلة من «إرث البوم» عن التراث الإغريقي الذي عرضته القناة الرابعة في 1989، وكان اختبارياً وفكرياً الى درجة يستحيل عرضها اليوم على التلفزيون البريطاني وفق الفنانين.