في طوابير طويلة، يقف مئات المتقاعدين العراقيين مغالبين معاناتهم وامراضهم، في ظروف مناخية صعبة، في انتظار الوصول إلى شباك موظف الاستقبال ليمنحهم إذناً بالدخول الى المؤسسة وتوجيههم الى القسم الخاص بشكواهم او مطالبهم. ولا يخفي الكثير من المتقاعدين استياءهم مما يلاقونه من معاناة، بدءاً بتقديم معاملاتهم التقاعدية وحتى حسمها، ويستغرق الأمر في احسن الاحوال سنة كاملة ليحصلوا على راتب لا يكفي حاجاتهم، عدا المسؤولين الكبار في الحكومات، التي شكلت بعد عام 2003، والذين يتقاضون 80 في المئة من راتبهم، على رغم عدم خدمتهم في الوظيفة الرسمية بضعة اعوام. ويقول المتقاعد عبد الله الجبوري الذي عمل في وزارة النقل ما يزيد على 25 عاماً، ان «راتبي التقاعدي بعد هذه السنين من الخدمة في الحكومة لا يزيد على 200 الف دينار شهرياً (150 دولاراً) وهو لا يكفي لإعالة اسرتي المكونة من خمسة افراد»، مبدياً امتعاضة من الطريقة التي يعامل بها المتقاعدون بعد عام 2003. ويضيف: «استبشرنا خيراً بتغيير النظام السابق الذي كان لا يمنح المتقاعد سوى راتب رمزي. لكننا بعد سبع سنوات على النظام الجديد لم نلق الرعاية والتشريعات التي تتناسب وخدمتنا في الحكومة في مقابل ارتفاع مستوى الغلاء أضعافاً عما كان عليه قبل عشر سنوات». ويمثل المتقاعدون في العراق شريحة كبيرة جداً قياساً إلى باقي البلدان العربية، وينقسمون بين الوظائف المدنية وعناصر الجيش العراقي السابق، ويبلغ عددهم حوالى المليون. ويبدي العسكري كريم حبيب، الذي احيل على التقاعد بعد إكمال الخدمة المقررة في قانون العمل (33 عاماً)، وتسمى «الخدمة الحسنة» امتعاضه من راتبه التقاعدي الذي لا يزيد عن 150 دولاراً في الشهر». ويضيف ان «الموظف او العسكري الذي يحال على التقاعد بعد عام 2003 لا يقل راتبه عن 600 دولاراً شهرياً، فلماذا لا نعامل نحن بالمثل». ويتابع ان «هناك فروقاً بين المتقاعدين على اساس احتساب الخدمة والراتب. معظم ضباط وعناصر الجيش السابق اجبروا على تقديم معاملات تقاعدهم وفوجئوا بمنحهم رواتب متدنية لا تتماشى وخدمتهم ورتبهم العسكرية». وشهد البرلمان والحكومة السابقان سجالات حادة حول رواتب المتقاعدين، وطالبت بعض الكتل السياسية بإلغائها كونها تستنزف الموازنة الاتحادية. وفي أواخر العام الماضي قررت وزارة المال تحديد الحد الادنى لكل متقاعد ب 150 دولاراً في الشهر. لكن لم يتم احتساب الاجور على أساس سنوات الخدمة. وتبدأ معاناة جديدة بعد الانتهاء من تقديم المعاملات التقاعدية تتمثل في صعوبة تسلُّم الراتب من المصارف المنتشرة حسب الرقعة الجغرافية في كل منطقة، فيضطر المئات للوقوف في طوابير طويلة. وفي حال عدم تسلمه يعاد الى وزارة المال ويتطلب الامر البدء بمعاملة جديدة لاسترجاعه. وفي محاولة من وزارة المال للتخفيف من الروتين فاستحدثت مشروع منح «البطاقة الذكية» للمتقاعدين ليتسنى لهم استلام الراتب من اي مصرف لكن الامر واجه فشلاً كبيراً. وتقول المعلمة المتقاعدة هيفاء عامر، ان «البطاقة الذكية تمثل همّاً آخر للمتقاعدين»، وتضيف ان «اجراءات معقدة تنتظر تبدأ من اجراءات اخذ البصمة والتوقيع وبصمة العين التي تجري في مراكز محددة». وتشير عامر الى انها فوجئت بعد اكتمال بطاقتها الذكية بأنّ تسلُّم الراتب بقي خاضعاً للإجراءات السابقة المتمثلة في مراجعة مصرف واحد دون غيره، وابراز كل الوثائق والتواقيع». وتتساءل: «ما الخدمة التي قدمتها البطاقة الذكية التي استهلكت اموالاً طائلة وجهوداً لتوزيعها؟». ويعلق موظف رفيع المستوى في وزارة المال بالقول ان «خطة الوزارة كانت ان يستطيع المتقاعد تسلُّم راتبه من اي مصرف يشاء او من الصرافات الآلية المنتشرة في بغداد، الا ان الخطة لم تنجح في تغطية عدد المتقاعدين، في ظل غياب الصرافات الالية وتعطلها بشكل مستمر».