تكمن الخطورة في ما نشرته مجلة «دير شبيغل» الالمانية، عن مسؤولية «حزب الله» في اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري، في الاستغلال السياسي لهذا الاتهام. وهذا ما انتبه إليه معظم القادة اللبنانيين الذين سعوا الى محاصرة هذا الاستغلال ومنع مضاعفاته على الوضع الداخلي. اذ انه يصب مباشرة في استثارة المشاعر والغرائز الطائفية والمذهبية، في ظل مناخات التعبئة الانتخابية التي لا تخلو من اللعب على هذه الأوتار. ويمكن القول إنه أمكن، حتى الآن، تجاوز مفاعيل هذا الاستغلال على المستوى الشعبي. وذلك بفضل رغبة مشتركة في تفادي جعل هذه المسألة عنوانا انتخابيا مباشرا، في ظل شبه يقين ان ذلك يدفع في اتجاه توتر امني وسياسي قد يطيح الانتخابات البرلمانية. الأمر الذي يبدو ان احدا في لبنان لا يرغب فيه. واذ امتنع تيار «المستقبل»، وزعيمه سعد الحريري، عن التعليق، وندد زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بالاتهام، فإن الامين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله اعتبره اتهاما سياسيا إسرائيليا في اطار المواجهة بين الجانبين. ومن البديهي ان تستغل اسرائيل الاتهام. اذ ليس سرا العداء الذي تكنّه ل «حزب الله» وأمينه العام. وهي خططت وسعت في السابق، وما تزال، لاستهداف نصرالله وعناصر الحزب. ويكرر مسؤولوها، يوميا، ان الحزب يشكل تهديدا امنيا لدولتهم، سواء عبر لبنان او عبر الدعم الذي يقدمه للمقاومة الفلسطينية المسلحة. وجاء الاتهام مناسبة لرفع الصوت الاسرائيلي مجددا ضد الحزب والتحريض عليه. والمعركة بين الجانبين مستمرة منذ ان بدأ الحزب العمل المسلح ضد اسرائيل وستستمر بالتأكيد، في ظل غياب السلام، سواء نشر الاتهام في المجلة الألمانية او لم ينشر. لذلك ينبغي، من اجل منع استغلال الاتهام في الوضع الداخلي اللبناني ومن اجل الحفاظ على السلم الاهلي، عدم الوقوع في الالتباس بين استغلال اسرائيل لموضوع صحافي وبين معركتها المستمرة ضد «حزب الله»، ومعها استمرار المواجهة مع لبنان. اذ ان العدائية الاسرائيلية ازاء لبنان، والعرب عموما، غير مرتبطة البتة بقضية اغتيال الحريري والمضاعفات التي ادت إليها. وإن كان ثمة اشتباه بأن اسرائيل تحاول استغلال الاغتيال وتسريب المعلومات عن المسؤوليات فيه، أملا بتوريط الحزب بمزيد من الاشكالات الداخلية اللبنانية وضرب رصيده في معركة المواجهة معها. من جهة اخرى، ينبغي التنبه الى عدم الالتباس بين مسار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وبين حال العداء اللبناني - الاسرائيلي. انهما مساران منفصلان ولا علاقة بينهما. اذ ان المحكمة تعمل على تجميع الوقائع والمعلومات والحيثيات التي بموجبها ينبغي الوصول الى المشتبه بهم في الاغتيال. ويُفترض ان تكون هذه العملية جنائية بحتة في ذاتها، وغير متأثرة بأي وضع سياسي، وإن كان اغتيال الحريري جريمة سياسية بامتياز. قد يجوز التشكيك بالنيات الكامنة وراء نشر «دير شبيغل» ما نشرته، في ظل الظروف الحالية. لكن الحكم المسبق على ما يمكن ان تصل إليه المحكمة، استنادا الى هذا النشر، يتساوى مع رفض عملها، مع كل ما قد يثيره ذلك من مضاعفات على الوضع الداخلي اللبناني. خصوصا ان معركة إقرار المحكمة في لبنان كادت ان تطيح بكل مؤسسات الدولة، بعدما جمدت عملها لشهور طويلة. عندما اجمعت القيادات اللبنانية على رفض الاستغلال السياسي لما نُشر، كان الهاجس وراء هذا الاجماع الحفاظ على السلم الاهلي، لكن استغلال النشر للتشكيك بعمل المحكمة، مسبقا، يجدد التهديد لهذا السلم.