عند أي حديث عن أقوى اللحظات التلفزيونية في المناظرات السياسية، تطل غالباً المناظرة التي جمعت بين المرشحين للانتخابات الرئاسية الأميركية عام 1960: جون كينيدى وريشارد نيكسون. والسبب تبني عدد من المراقبين فكرة ان هذه المناظرة كان لها الأثر البالغ في فوز المرشح الديموقراطي على منافسه الجمهوري، لاتقانه أصول اللعبة التلفزيونية، لجهة حضوره الآثر، سواء من حيث الشكل، أو طريقة الكلام، أو حتى النظر مباشرة الى الكاميرا، في مقابل طلّة باهتة لنيكسون. اليوم، ولمناسبة الانتخابات البرلمانية اللبنانية، أطلّت على الشاشات، برامج تصنف نفسها تحت خانة برامج المناظرات، إضافة الى برامج تحتوي فقراتها مثل هذه المناظرات. فهل من الممكن ان يكون لها الأثر في ترجيح كفة مرشح على آخر، خصوصاً ان الهدف في الغرب من مثل هذه المناظرات يكون عادة استهداف اولئك الذين لم يحسموا امرهم بعد؟ وهل من الممكن ان تتغير استطلاعات الرأي - على رغم عدم ايمان كثر بها - بعد كل ظهور في مثل هذه البرامج، كما يحدث في الدول المتقدمة؟ معروف عن اللبنانيين انهم شعب مسيس، حتى يكاد يصح معهم القول ان ما اجتمع اثنان منهم الا وكانت السياسة ثالثهما. من هنا قد يكون صعباً ان ينتظر هؤلاء برنامجاً تلفزيونياً ليملي عليهم مرشحهم. فالبلد موزع بين فريقين لكل منهما جمهوره الذي لن يحيد عن الخط. بالتالي فإن الهدف الأول الذي من أجله أبصرت النور المناظرات السياسية في الغرب سقط على شاشات الانتخابات اللبنانية. بقي هدف آخر، إعلاني هذه المرة. وهنا لا مجال إلا للفوز، خصوصاً ان عدداً كبيراً من هذه البرامج تحوّل الى حلبة ملاكمة تجذب المشاهدين. حتى ان بعض الجولات لم يقف عند حدود الملاكمة الشفهية، بل وصل - على ذمة احد المناظرين وعلى رغم نفي منافسه - الى حدود الملاكمة الجسدية بعد انتهاء الحلقة. اما الملاكمات الشفهية فحدث ولا حرج، في صورة منافية لأصول المناظرات التي توزع النقاط على المرشح الأكثر هدوءاً وراحة وطمأنينة امام الشاشة. وإذا كان من أصول المناظرات ايضاً ان تُجرى في استوديو يتوزع المشاركون فيه على شكل حرف «سي» اللاتيني، بمعنى ان يقف المرشحان وجهاً لوجه في حين يتوسط المذيع الضيفين، فإن هذه القاعدة لم تسلم من الخروق لأن بعض المرشحين هم من العدواة بحيث لا يرضون ان يجتمعوا تحت سقف واحد. هذا من دون ان ننسى اعتذار بعض الضيوف عن عدم الحضور في اللحظات الأخيرة، من دون ان يخشوا ان يحاسبهم الجمهور. ترى لو تمّ هذا في الغرب ماذا كان سيحدث؟ الأكيد ان الاستطلاعات كانت سترصد انخفاضاً ملحوظاً في أصوات المرشح المعني. اما في لبنان، فالصورة مختلفة: القناعات لا تتزعزع والمرشحون ومن وراءهم يأخذون في الحسبان ميول الفضائية صاحبة الدعوة. من هنا لا يعود غريباً ان ينسحب احد الضيوف من احد البرامج الفضائية ليطل امام المنافس نفسه في اليوم ذاته على قناة اخرى من دون ان يسلما من عواصف المناظرة. بعد هذا كله، هل يمكن القول اننا امام «م(و) ناظرة»؟