أكد اقتصاديون أن حرب العملات المستعرة بين الولاياتالمتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والصين، ستضر باقتصاد السعودية، وستتسبب في ارتفاع معدلات التضخم، وزيادة في أسعار السلع المستوردة، من دون أن نحقق مكاسب كبيرة على المنتجات التي يتم تصديرها، وسيكون قطاع البتروكيماويات الرابح الأكبر فيها، فيما سيتحمل المواطنون تبعات ارتفاع الأسعار محلياً. وأوضح كبير المستشارين الماليين في البنك الأهلي، الدكتور سعيد الشيخ أن دور السعودية في هذه الحرب يبقى إلى حد كبير محدوداً، إذ إن الريال مربوط بالدولار ولا تستطيع السعودية بذلك أن تغير سعر الصرف، خصوصاً أن هناك سياسة ثابتة للمملكة وهي الإبقاء على سعر الصرف بالنسبة للريال في مقابل الدولار، هذه السياسة لها فترة طويلة واعتمدتها مؤسسة النقد العربي السعودي ولا تجد مبرراً في الوقت الحاضر أو تحت ضغوط تقلبات أسعار الصرف في تغيير هذه الاستراتيجية طويلة المدى، كما أنها لا تخضع للتقلبات الآنية في أسعار الصرف. وأوضح الشيخ أنه «خلال الأسابيع الماضية وجد من ينادي بفك الارتباط باعتبار أن الدولار يتجه إلى الضعف وليس من مصلحة المملكة الإبقاء على سعر الصرف مرتبطاً بالدولار»، واصفاً ذلك بأنه «دعاوى من بعض الكتاب والاقتصاديين والمثقفين»، معبراً عن وجهة نظره حيال ذلك بأنه «لا يجب أن يكون قرار بمثل هذا المستوى يخضع للتقلبات الآنية في أسعار الصرف، ووجدنا أن الأمر انعكس نتيجة أزمة إرلندا بارتفاع قيمة الدولار في مقابل اليورو». وأشار إلى أن موقف المملكة يأتي في التأكيد على إبقاء الربط في أوقات اضطرابات أسعار العملات «من خلال تأكيدها على ربط سعر الصرف بالدولار»، واصفاً ذلك بأنه «موقف إيجابي»، مضيفاً «لو اتخذت المملكة (على سبيل الافتراض) قراراً مغايراً وأعلنت مثلاً عن قيامها أو استعدادها لفك الارتباط لأحدث ذلك إرباكاً أكثر في أسواق العملات، فموقف السعودية الإيجابي في هذا الموضوع أو تجاه تحقيق استقرار في أسعار العملات وإعلانها بإبقاء سعر الصرف بالنسبة للريال السعودي المربوط بالدولار يعتبر إيجابياً في سعيها لتحقيق الاستقرار في أسعار العملات». وأكد أن حرب العملات ليست في مصلحة أية دولة من دول العالم على المديين المتوسط والبعيد، «وإن كانت لها مكاسب أحياناً في المدى القصير جداً لبعض الدول»، مشيراً إلى أنه «عندما تقوم دولة من الدول بخفض سعر عملتها أو بالتأثير على بقاء سعر الصرف بالنسبة لعملتها، تحاول من خلال ذلك تشجيع التصدير، حتى تصبح أسعار السلع المصدرة لتلك الدولة أعلى وبالتالي، تسهم في رفع النمو الاقتصادي لهذه الدول». وأشار الشيخ إلى أن «بعض الدول التي دخلت في حرب أسعار العملات تسعى نتيجة التباطؤ الاقتصادي إلى حل من خلال بقاء أسعار عملاتها منخفضة، وتحاول من خلال ذلك تحديد النمو الاقتصادي من خلال نمو الصادرات، ولكن وإن تحقق هذا في المدى القصير، إلا أنه سينذر أيضاً بحرب اقتصادية بين الدول، وستسعى الدول الأخرى إلى الانتقام، بخفض أسعار عملتها». وأشار إلى أن قيام «دولة معينة أو أكثر من دولة بخفض أسعار عملاتها يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي، وعندما تتوسع دائرته ما بين مجموعة كبيرة من الدول، سيضر بعضها بعضاً، وسيضر هذه الدول، ويمكن أن تؤدي هذه الحرب إلى خفض سعر السلع المصدرة إلى درجة لا تحقق مستويات الربحية المطلوبة بالنسبة للشركات بقدر ما هي ساعية لتوسيع الصادرات»، موضحاًَ أن هذا الموضوع «أثير في قمة العشرين على أساس أن لا تنخرط الدول في هذا الاتجاه». وحول تأثير ذلك على المملكة، قال: «سعر الريال مربوط بسعر الدولار، وبالتالي في حال انخفاض الدولار، ينخفض معه الريال تباعاً، ما ينتج عنه انخفاض كلفة الواردات بالنسبة لنا من المناطق الأخرى التي تقوم صادراتها بغير عملة الدولار، مثل منطقة اليورو على سبيل المثال، أو منطقة الين بالنسبة لليابان عندما يتم استيراد السلع اليابانية، وفي حال تراجع قيمة الدولار بالنسبة للعملات الرئيسية الأخرى سواء اليورو أو الين مثلما حدث في 2007، و2008 وصعدت كلفة السلع المستوردة، أصبح هناك ما يسمى استيراد للتضخم». ولفت الشيخ إلى أنه «قبل نحو أسبوعين أو ثلاثة أسابيع عندما أعلن البنك المركزي الأميركي القيام بسياسة التخزين الكمي، كانت ثمة مخاوف من أن قيمة الدولار ستتراجع، وأن الهدف من هذا الخيار هو خفض سعر الصرف بالدولار في مقابل العملات الأخرى من أجل توسيع أو تنشيط التصدير وتقليل الواردات، وفعلاً بدأ الدولار يتجه إلى الضعف، إلا أنه بعدها بنحو أسبوعين حدثت أزمة إرلندا ومديونياتها العالية، وتدخل صندوق النقد الدولي مع البنك المركزي في عملية ضخ 90 بليون دولار في إرلندا، وهذه الأحداث أضعفت قوة اليورو وتسببت في تراجعه، وبدأ يقوى الدولار». وأكد «وجود عوامل مختلفة كانت فيها قوة الدولار أو ضعفه لا ترتبط بشكل مباشر بما يحدث في الاقتصاد الأميركي، ويمكن أن يكون ثمة أسباب أخرى خارجية مثل أزمة أرلندا وقبلها أزمة اليونان وكيف كانت إيجابية بالنسبة للدولار، على رغم أن هناك أيضاً أوضاعاً اقتصادية غير جيدة في الولاياتالمتحدة». ورأى أن الحل يكمن في أن الدول «لا تنحى إلى هذا الاتجاه لحل مشكلاتها في النمو الاقتصادي»، مؤكداً أن «سلوك هذا الطريق سينتج عنه إيذاء للجميع»، وعزا السبب إلى أن «المتضرر لن يقف مكتوف اليدين، وإنما سيسعى هو أيضاً لمحاولة الرد والانتقام، وبالتالي يصبح التأثير على الجميع سلباً»، وقال: «يبدو أنه أصبح هنالك تفهماً الآن من أن الدخول في هذا الطريق سينعكس سلباً على الجميع، وبالتالي أصبح هنالك أصحاب قرارات متعلقة بأسعار الصرف في دول العالم تعي بمخاطر الاستمرار في هذا الاتجاه». من جهته، أوضح الأكاديمي الدكتور محمد جعفر أن المنتج المحلي سترتفع أسعاره في مقابل السلع الأخرى المنافسة، وسيتمكن المصدرون، خصوصاً إلى الصين من تعزيز قدراتهم التنافسية مقارنةً بالسلع الصينية وتحقيق المزيد من الأرباح، وتأتي المنتجات البتروكيماوية في المقدمة، فيما لن تحقق الصادرات النفطية مكاسب كبيرة بسبب سياسات تسعير الكثير من المنتجات النفطية. وذكر أن انخفاض الدولار سيدعم السلع المصدرة من السعودية، وستكون منافسة للسلع الأخرى، وبخاصة مع عدم وجود حماية ضدها، مضيفاً أن قطاع البتروكيماويات سيشكل المكسب في هذا الوضع، ما لم يحدث تباطؤ في النمو الصيني والهندي بالتحديد، مؤكداً أن محدودية المنتجات المصدرة تجعل المكاسب من انخفاض العملة خسائر في المجمل، وانعكاسها على السلع في السوق المحلية التي سترتفع بسبب ذلك، وتقل القوة الشرائية للريال. من جانبه، أوضح الاقتصادي نظير العبدالله أن الدول التي تربط عملاتها الوطنية بالدولار ستعاني من ارتفاعاً في معدلات التضخم، وسيكون مرهوناً بتراجع الدولار أمام العملات الدولية، مؤكداً أن استعار حرب أسعار صرف العملات الدولية في الأسواق العالمية، سيقودنا إلى حال مشابهة لعام 2007 التي تفاقم فيه التضخم في جميع دول الخليج. وقال ل «الحياة» إن الحديث عن «حرب العملات» التي تشير إلى رغبة الولاياتالمتحدة في انخفاض الدولار أمام العملات الدولية الأخرى، خصوصاً أمام الين، واليورو، واليوان الصيني، ستدفع معدل التضخم في السعودية وبقية دول الخليج إلى الارتفاع، لأن معظم دول المنطقة تربط عملاتها الوطنية بالدولار المتراجع أمام العملات الدولية، وهو ما يعني انخفاض عملاتها، أمام العملات الأخرى، وبالتالي ارتفاع فاتورة وارداتها من الخارج، خصوصاً أن السعودية ودول الخليج تعتمد بشكل رئيسي على توفير معظم سلعها من الخارج، لا سيما من الأسواق الأوروبية واليابانية والصينية، التي تشكل الجزء الأكبر من إجمالي مستورداتها، وهذا سيصيب الأسواق المحلية بارتفاع في الأسعار، وزيادة الأعباء على المواطنين. ولفت إلى أن معدلات التضخم ارتفعت فعلياً في النصف الثاني من العام الحالي بسبب انخفاض الدولار، مضيفاً أن المملكة تشهد أيضاً ارتفاعاً في السيولة، وهذا الارتفاع إذا لم يقابله زيادة مماثلة في الإنتاج فإنه يعني أن مستويات الأسعار ومعدل التضخم سترتفع. وأكد أننا أمام ما يسمى «التضخم المستورد» لأن فاتورة الواردات سترتفع مع تراجع الدولار أمام العملات الدولية، ولارتباط الريال بالدولار المتراجع لظروف الاقتصاد الأميركي، الذي تسعى من خلاله الإدارة الأميركية إلى «خفض الدولار» لزيادة القدرة التنافسية للصادرات الأميركية.