حاصرت القوات الحكومية العراقية اليوم (الخميس) متشددي تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) في المدينة القديمة بالموصل واقتربت من المسجد التاريخي الذي أعلن منه زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي «الخلافة» قبل حوالى ثلاثة أعوام. وتحصن المتشددون في المنازل والأزقة الضيقة وقاوموا بنيران القناصة والهجمات الانتحارية والسيارات المفخخة. بيد أن الأمطار الغزيرة عرقلت التقدم واقتربت قوات من الشرطة الاتحادية و«وحدات الرد السريع» إلى مسافة 500 متر من «جامع النوري» القديم صباح اليوم. وظهرت راية التنظيم السوداء واضحة على مئذنة الجامع. وحققت القوات الحكومية مكاسب كبيرة في الأيام القليلة الماضية في معركة بدأت في تشرين الأول (أكتوبر) فسيطرت على جسر رئيس على نهر دجلة وتقدمت باتجاه الجامع الكبير. وقال قائد فرقة النخبة في الشرطة الاتحادية اللواء حيدر ضرغام اليوم، إن قواته تتمسك بمواقع استعادتها بالأمس وإن هناك مقاومة كبيرة في المنطقة باستخدام القناصة والسيارات المفخخة. وستمثل استعادة السيطرة على «جامع النوري» نصراً رمزياً مهماً إضافة إلى المكاسب الفعلية على الأرض. وأضاف ضرغام متحدثاً من قاعدة متقدمة لقوات الشرطة يجتازها لاجئون وسط الشوارع الموحلة والمنازل المهدمة إن المسجد مهم بالنسبة لهم حيث أعلنوا منه «الخلافة». واختار البغدادي المسجد ليعلن منه «الخلافة» التي تمتد على أراض في العراق وسورية في تموز (يوليو) 2014. وكانت الموصل أكبر مدينة يسيطر عليها التنظيم المتشدد في العراق لكنه فقد مواقع منذ بدء الهجوم لاستعادتها ويقول زعماء العراق إن المعركة تدخل مراحلها الأخيرة. وتمت استعادة أجزاء أخرى من غرب الموصل منها المستشفى أمس وصباح اليوم، لكن ضباطاً قالوا إن التقدم تباطأ بسبب تفجير سيارات مفخخة وتلغيم منازل وأزقة. ثم توقف التقدم بسبب سوء الأحوال الجوية. ورد التنظيم المتشدد بهجمات متفرقة بعضها بنيران قذائف «هاون» على مواقع الحكومة. وردت القوات الحكومية بقذائف «هاون» وضربات بطائرات مروحية مقاتلة. وقال ضرغام إن مهاجمين انتحاريين قادوا سيارات مفخخة باتجاه القوات. وقالت الشرطة إنها قتلت تسعة متشددين حاولوا شن هجوم مضاد على أحد مواقعها بقذائف صاروخية. وذكرت الشرطة في بيان لاحق أن طائرات الشرطة الاتحادية تقصف عشرات الأهداف الثابتة والمتحركة للتنظيم في محيط المسجد الكبير. «تضاريس معقدة» وقال ضابط من الشرطة الاتحادية إن القادة مجتمعون لتعديل خططهم. وأضاف «خطط الهجوم الجديدة يجب أن تتلاءم مع التضاريس المعقدة والأزقة الضيقة». وتابع «الشوارع الضيقة تمنعنا من استخدام العجلات المدرعة وهذا الأمر بالتأكيد سوف يجعل من جنودنا عرضة لنيران العدو. الخطط الجديدة تحت الدراسة ستكون كفيلة بمعالجة هذا الأمر». ومن أولويات القوات كذلك ضمان سلامة المدنيين الذين يعاني الكثيرون منهم من الجوع بسبب نقص مخصصات الغذاء ويشعرون بالصدمة من العيش تحت حكم تنظيم «الدولة الإسلامية» الصارم. وتابع ضرغام أن المتشددين بدؤوا في إحراق المنازل وهو ما يعني أنهم يتقهقرون. وأصبحت الموصل المعقل الرئيس ل «داعش» حيث فرضت حكمها على المناطق التي سيطرت عليها. واستعادة الحكومة المدينة ستدفع بفلول التنظيم إلى مناطق نائية. وفي سورية المجاورة يتعرض التنظيم إلى ضغوط كبيرة كذلك حيث تتقدم ثلاث قوات منفصلة صوب مدينة الرقة معقله هناك. وتقدم الولاياتالمتحدة ودول غربية أخرى دعماً جوياً ومدفعياً وأنواع دعم أخرى لهجوم الموصل فيما يعكس القلق العالمي من تهديد التنظيم المتطرف. غير أن وجود عشرات الآلاف من المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها المتشددون يعني أن مجرد اقتراح سحقهم يشكل خطورة كبيرة. وفر آلاف السكان إلى حدود المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة في الأيام القليلة الماضية لكن كان من المستحيل معرفة عدد الضحايا من المدنيين. وفي مخيم مكتظ بالنازحين جنوب الموصل انتظرت أسر من المدينة القديمة اليوم وصول حافلات لتقلهم إلى مناطق أخرى. وكان كثير منهم أتوا من أماكن قريبة من مرأب مركزي للحافلات في الجانب الغربي من الموصل القديمة وكانوا قد فروا صباح اليوم. وقال رجل يدعى هشام صبحي (41 عاماً) بينما كان ينتظر مع عائلته تحت الأمطار «هناك دمار... منازل مدمرة... أشخاص انتشلوا من تحت الأنقاض». وتوجه البعض إلى شرق الموصل للإقامة مع أقاربهم. وصاح سائقو سيارات الأجرة قائلين: «الموصل..الموصل!» يقصدون الجانب الشرقي. وقال ضرغام إن استعادة المدينة بالكامل ليس وشيكاً بعد. لكنه أضاف أن ذلك سيتم خلال شهر أو اثنين.