قلة من المشاهدين الشباب في العالم العربي تعرف ان اللبنانيين رواد في صناعة الدراما التلفزيونية. في ستينات القرن العشرين كان «تلفزيون لبنان والمشرق» أهم منتج للمسلسلات التاريخية والاجتماعية والكوميدية في المنطقة. أعظم المسلسلات التي سرقت وجدان المشاهد العربي في تلك الأيام لبنانية، مثل «مقامات بديع الزمان الهمذاني»، «الليل الطويل»، «سر الغريب»، و «رجال القضاء»، و «فارس بني عياد»، وغيرها من الأعمال التي شكلت تلك المرحلة المبكرة في صناعة الدراما التلفزيونية العربية. شكل «الاتحاد الفني» الذي أسسه الراحل رشيد علامة، ومجموعة من الفنانين اللبنانيين، حالة فنية تاريخية فريدة. وقدم علامة مع المؤلفة جلبهار ممتاز، العديد من الأعمال التي بقيت في ذاكرة جيل الستينات من اللبنانيين والعرب. وشهدت تلك الفترة بروز وجوه كثيرة في الإخراج والتمثيل، مثل ايلي سعادة وأنطوان ريمي وهند ابي اللمع ووفاء طربيه ومحمد شامل ومحمد المصري وأنطوان كرباج وعبدالمجيد مجذوب وإحسان صادق وأحمد الزين، وسميرة بارودي وأمال العريس ومحمد الكبي ومحمود سعيد، وجيزيل نصر وفريال كريم وليلى كرم وغيرهم من صنّاع الفن الجميل. لا شك في ان بعض المسلسلات اللبنانية الذي أُنتج في تلك المرحلة، لم يكن يخضع لعملية مونتاج بعد التصوير، أو انه كان يُصوَّر مباشرة على الهواء، او على الشريط. وكان إخراجه أقرب إلى الإخراج المسرحي منه إلى التلفزيوني، فضلاً عن ان الدراما اللبنانية كانت في غالبها سردية وليست مشهدية، وهي تعتمد على اداء الممثل وحركته، وتهمل دور الكاميرا. لكنها تميزت بمضمون مثير، وزخرت بممثلين على مقدار كبير من الموهبة، ونافست الدراما المصرية، وتفوقت عليها في بعض الأحيان، خصوصاً أن الدراما التلفزيونية المصرية، في الستينات، لم تكن كبرت بعد. كانت مصر مشغولة بصناعة السينما، لم تكن اهتمت بعد بالأعمال التلفزيونية. الأكيد أن الدراما التلفزيونية اللبنانية قتلتها الحرب. فرّقت نجومها، وغيّبت ذكرها. لكن أحداً في لبنان لم يفكر في السؤال عنهم، وعنها. ومن يشاهد الدراما التلفزيونية اللبنانية الراهنة ينسى ان لها «عيلة» كبيرة وقادرة. أين جذور هذه «العيلة»، كيف تفرقت واندثرت؟ هل يمكن ان تعود؟