اتهمت لجنة تحقيق دولية طيران القوات النظامية السورية ب «تعمّد» قصف نبع عين الفيجة في وادي بردى، مما أدى إلى حرمان دمشق من إمدادات المياه لأسابيع، نهاية العام الماضي، في وقت دعا المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أمس، إلى إخلاء سبيل عشرات آلاف المحتجزين في سجون سورية، وقال إن تقديم مرتكبي الجرائم بما فيها التعذيب للمحاكمة أمر ضروري للتوصل إلى سلام دائم. كما قدم معتقلون سابقون في سورية شهاداتهم أمام مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان عن معاناتهم وقلقهم على رجال ونساء وأطفال ما زالوا محتجزين لدى الحكومة، أو لدى جماعات متشددة منها «جبهة فتح الشام» وتنظيم «داعش». وقال الأمير زيد بن رعد الحسين أمام مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان: «إلى حد ما أصبحت البلاد كلها غرفة تعذيب ومكاناً للرعب الوحشي والظلم المطلق». وأضاف في بداية اجتماع المجلس لبحث الوضع في سورية: «لا بد من ضمان المحاسبة والتوصل إلى الحقيقة وتقديم التعويضات إذا كان للشعب السوري أن يتوصل للمصالحة والسلام. لا مجال أمامهم للتفاوض». وناشد الأمير زيد الأطراف المتحاربة أن توقف التعذيب والإعدامات وتخلي سبيل المعتقلين أو على الأقل توفّر المعلومات الأساسية عنهم من «أسماء المحتجزين وأماكن وجودهم ومكان دفن من توفوا منهم». ولم يحضر وفد الحكومة السورية، لكنه نفى مزاعم عن تعذيب ممنهج. ووصف مبعوث روسيا الحليف الرئيسي للحكومة السورية الاجتماع بأنه «مضيعة للوقت الثمين». وروت نورا الأمير وهي مسجونة سابقة وناشطة قصة رانيا وهي امرأة اعتقلت عام 2012 مع ستة من أولادها وما زالت مفقودة. وقالت الأمير للمجلس: «اعتقلت العديد من النساء الأخريات مع أطفالهن في أماكن لا تصلح حتى لأن يعيش فيها الحيوانات ناهيك عن الأطفال». وأشار باولو بينيرو رئيس لجنة الأممالمتحدة للتحقيق المعنية بسورية إلى تقرير للجنة أعد عام 2014 وأظهر أن نطاق الوفيات في السجون يشير إلى أن حكومة الرئيس بشار الأسد مسؤولة عن عمليات «إبادة كجريمة ضد الإنسانية». وقال: «أُسكتت الكثير من الأصوات من طريق الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والموت». وتعهد زيد وبينيرو بدعم آلية جديدة للأمم المتحدة لجمع الأدلة وتحضير ملفات جنائية لمحاكمات تجريها سلطات وطنية أو محكمة دولية. وقال فضل عبدالغني المدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان إن الحكومة اعتقلت 87 في المئة من المحتجزين، مضيفاً: «يزايد النظام على الجميع وما زال حوالى 92 ألف شخص داخل مراكز اعتقاله». وأضاف أن الكثيرين يعانون «من أعمال تعذيب مروعة». وأبدى مازن درويش هو محام أطلق سراحه عام 2015 بعدما أمضى ثلاث سنوات في السجن غضبه من غياب عمل دولي. وقال: «نحن نتحدث عن مذابح يومية جارية منذ ست سنوات. لماذا نحن هنا؟ اليوم هناك نساء ورجال وأطفال، أشخاص أبرياء يقتلون تحت التعذيب... من الغريب أمام كل هذه الأدلة ألا نرى تحركاً حقيقياً». إلى ذلك، قالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة في شأن سورية أمس، إن القوات الجوية السورية تعمدت قصف مصادر مياه في كانون الأول (ديسمبر) الماضي وهو ما يمكن أن يصل إلى حد جريمة حرب نتيجة قطع المياه عن 5.5 مليون شخص في العاصمة دمشق وحولها. وأضافت أنها لم تعثر على أدلة على تعمّد الجماعات المسلحة تلويث إمدادات المياه أو تدميرها، بعكس ما زعمت الحكومة السورية حينها. وسيطرت المعارضة على ينابيع المياه في وادي بردى شمال غربي دمشق منذ 2012. وتعرضت هذه المنطقة نهاية العام الماضي لهجوم كبير من القوات الحكومية السورية وحلفائها، على رغم إبرام اتفاق لوقف النار. وانسحبت عناصر المعارضة من وادي بردى في نهاية كانون الثاني (يناير). وقالت اللجنة التي يقودها المحقق البرازيلي باولو بينيرو إنه لا توجد تقارير عن معاناة أشخاص من تلوّث في المياه يوم 23 كانون الأول عندما استهدفت القوات الجوية السورية عين الفيجة بضربتين جويتين على الأقل أو قبل هذا التاريخ. وجاء في تقرير اللجنة: «على رغم أن وجود عناصر الجماعات المسلحة عند النبع يمثّل هدفاً عسكرياً، فإن الضرر الشديد الذي لحق بالنبع كان له تأثير مدمر على أكثر من خمسة ملايين مدني في مناطق الحكومة والمعارضة التي حرمت من المياه الصالحة للشرب بصفة منتظمة لأكثر من شهر». وأضاف: «يصل الهجوم إلى حد جريمة حرب لمهاجمة أشياء لا غنى عنها لحياة السكان المدنيين وينتهك مبدأ التناسب في الهجمات». واستندت نتائج اللجنة إلى مقابلات مع سكان وصور بالأقمار الصناعية إلى جانب معلومات متوافرة ومعلنة. وتناول التقرير الفترة من 21 تموز (يوليو) 2016 إلى 28 شباط (فبراير) الماضي وصدر بعد أقل من أسبوعين على قول اللجنة إن طائرات الحكومة السورية تعمّدت استهداف قافلة إنسانية مما أسفر عن مقتل 14 موظف إغاثة في أيلول (سبتمبر) العام الماضي. وفي واقعة منفصلة أوضح التقرير أمس أن طائرات - سورية أو روسية على الأرجح - قصفت المقر الدائم للهلال الأحمر العربي السوري في مدينة إدلب. ووثقت اللجنة أيضاً استخدام غاز الكلور القاتل في مناسبات عدة من قبل القوات الحكومية وقوات موالية لها في ضواحي دمشق ومحافظة إدلب. وذكر تقرير اللجنة أنه لا يوجد دليل على تورط روسيا في هجمات الكلور.