يتصدر السعودي على مستوى العالم في استهلاك التمور والقمح والسكر والدواجن واللحوم، بحسب وزير البيئة والمياه والزراعة عبدالرحمن الفضلي، الذي قدّر في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي نسبة هدر الغذاء في المملكة بما بين 30 و40 في المئة، مبدياً مخاوفه من «تحول صغار المزارعين إلى مُشترين للغذاء في المستقبل». وعلى رغم الجهود الحكومية في السعودية للحد من ظاهرة هدر الطعام، والدعوات لإبراز تداعياتها الخطرة على البيئة والاقتصاد، لكنها بدت عصية على الحل، بعدما تصدرت الدول الأكثر هدراً على مستوى العالم، وفقاً لإحصاء أوردته إحدى المنظمات الدولية أخيراً. وأوضح إحصاء نشره مركز «بارييلا للطعام والتغذية»، بالتعاون مع مجلة «إيكونوميست البريطانية، أن السعودي يهدر 427 كيلوغراماً من الطعام سنوياً، فيما جاء الإندونيسي ثانياً ب300 كيلوغرام، والأميركي ثالثاً ب277 كيلوغراماً، والإماراتي رابعاً ب196 كيلوغراماً للفرد! وحذّر اقتصاديون من خطورة استمرار النمط الاستهلاكي للسعوديين على الأمن الغذائي، خصوصاً في دولة تستورد غالبية غذائها من الخارج. إذ أكدت بيانات حكومية أن قيمة الفاقد من الغذاء المهدر في السعودية تقترب من 50 بليون ريال سنوياً، ما يعني أن ثلث الطعام يُهدر، فيما تقدر نسبة مخلفات الطعام بأربعة ملايين طن سنوياً. ويعتبر السعودي الأكثر استهلاكاً للخبز بحوالى 235 غراماً من القمح، في الوقت الذي تزيد معدلات استيراده من الخارج سنوياً ووصلت نهاية العام 2016 إلى 3 ملايين طن، وخصوصاً بعد توقف المملكة عن زراعته لتقليل الفاقد من المياه. وطالب مختصون بضرورة تغيير المفاهيم الخاطئة التي ترى الإسراف والتبذير «نوعاً من الشرف والوجاهة الاجتماعية والكرم»، في عادات متوارثة، خصوصاً في المآدب والأفراح، وتحفل موائدهم بكثير من أنواع الطعام والشراب، يكون مصير معظمها إلى سلة المهملات! وحاولت الحكومة خلال السنوات الأخيرة مكافحة الظاهرة بتطبيق غرامات وجزاءات للحد من هدر الخبز ومنتجات الدقيق في المخابز والمصانع، وظهرت أيضاً محاولات من شباب سعوديين لاستثمار ذلك الهدر الغذائي، على غرار مبادرة الشاب بدر آل سريح مربي الأغنام، الذي أنشأ حاوية خبز، ووضعها في الشارع ليلقي فيها أبناء بلدته ما يفيض عن استهلاكهم منه، ونجحت الفكرة، وتحولت الحاوية إلى سبع بعد مرور ثلاثة أشهر من انطلاق الفكرة، وفر بها سريح الخبز لأغنامه، وتبرع بالجزء الأكبر من العائد إلى الفقراء. وابتكر الشاب مشعل الخراشي صحناً للتقليل من هدر الأرز بنسبة 30 في المئة، من خلال إلغاء المساحة التي يترك فيها الأكل عادة، مع المحافظة على مظهره التقليدي للوليمة والمناسبات، وبيع منه أكثر من 30 ألف صحن، أسهمت - بحسب مشعل - في حفظ 900 طن من الأرز تكفي لنصف سكان الرياض. فيما فرض مطعم في الدمام غرامات على العملاء الذين لا يأكلون كل الطعام الذي طلبوه، في محاولة للحد من الإسراف وتقليص كميات الطعام الفائضة عن الحاجة. ووضع مطعم «مرمر» لافتات تحذر العملاء من الغرامة، لكن كثيرين يفاجأون عندما يُطلب منهم دفع الغرامة التي تقدم حصيلتها للجمعيات الخيرية، ويوجه جزء منها لمساعدة ضحايا المجاعة في الصومال. ولاقت الفكرة تشجيعاً من العملاء، بحسب مالك المطعم فهد العنزي. فيما أطلقت مطاعم سعودية مبادرة أخرى، من خلال تقليل كمية الأرز المقدم للعميل وإخباره بذلك، وأيضاً إبلاغه بحقه في الحصول على الجزء المقتطع، في حال رغبته في ذلك. وأطلقت جمعيات خيرية مبادرات لحفظ الأكل الفائض، إذ تمكنت الجمعية الخيرية للطعام (إطعام) عبر فرقها الميدانية من حفظ 2.4 مليون وجبة من الهدر، جمعتها من المطاعم والفنادق، وأسهمت بها في إطعام كثير من الأسر الفقيرة والعمال الأجانب. وتصدُّر السعوديين قائمة مهدري الطعام عالمياً كان محل جدل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، بين مؤيد طالب ب«تثقيف المستهلك أولاً ببرامج حكومية وتوعوية هادفة»، ورافض للدراسة يرى فيها «نوعاً من الظلم»، مشيرين إلى عادات غذائية لدى شعوب عدة «أسوأ من السعوديين»، فيما استذكر آخرون «عام الجوع» الذي حل في منطقة نجد قبل أكثر من 100 عام، وكيف عانى أجدادهم فيها. وعبّر المغرد عبدالله عن خوفه من استغلال الدراسة، وكتب: «أخشى أن تكون مقدمة لفرض ضريبة على الغذاء». وأيده آخر رأى أنها ستكون «سبباً لرفع الأسعار فيما بعد». فيما رفضها المغرد عبد الله الفراج «جملة وتفصيلاً»، وكتب: «كيف تم احتساب أننا الأول في العالم في الهدر الغذائي»؟ ورأى محمد العنزي أنه «لا يوجد هدر، مشكلتنا الرئيسة مع وجبة الكبسة فقط». وفي المقابل، غرد عبدالعزيز السويلم: «وجود السعودية على رأس القائمة يحتاج إلى وقفة فيبدأ كل منا بنفسه»، فيما طالب الدكتور فهد الخضيري ب«عدم رمي الطعام إلا إذ تلف. وتاريخ الصلاحية افتراضي وليس حتمياً»، مؤكداً أن «غالبية المواد لا تنتهي صلاحيتها بمجرد التاريخ المكتوب». وطالب مغرد آخر بضرورة «تقييد الحفلات في الفنادق وغيرها بأن تقتصر على المعجنات فقط لتقليل الهدر فيها».