فجّر الاعتداء الإجرامي على مسجد كيبك الكبير الذي أسفر عن سقوط 6 ضحايا وعدد من الجرحى، صحوة لدى الرأي العام الكيبكي والكندي على مختلف المستويات الرسمية والشعبية والإعلامية والفكرية والثقافية وحتى الفنية (إحياء 100 فنان كيبكي حفلة موسيقية غنائية مجانية دعت إلى التعايش ونبذ التعصّب والكراهية). كما أثار اهتماماً كبيراً لا سابق له بالمشكلات التي تعيق اندماج المهاجرين في المجتمع وسوق العمل. ولخّص رئيس بلدية كيبك هذا التحوّل النوعي بعبارة مقتضبة: «إن كيبك قبل الاعتداء على المسجد شيء وبعده شيء آخر»، لا سيما المسائل الخلافية المتعلّقة بالرموز الدينية أو ما كان يُعرف قبل سنوات ب «التسويات المعقولة». في هذا السياق أجرى الفيلسوف الكندي تشالرز تايلور مراجعة شاملة لمجمل التحوّلات التي شهدتها كيبك منذ عام 2008. فقد شارك مع عالم الاجتماع جيرار بوشار في ترؤس اللجنة المعروفة «بوشار- تايلور» حول التسويات المعقولة التي رفعت توصياتها إلى حكومة المقاطعة برئاسة جان شاريه في عام 2008، لاسيما ما يتعلّق بحظر ارتداء موظفي الدولة الذين يمارسون سلطة قسرية مثل القضاة والمدعّين العامين والشرطة وحراس السجون، رموزاً دينية. وأكّد تايلور في مراجعته أن «أشياء كثيرة قد تغيرت وأن التوصيات التي وافقت عليها تتعارض مع وجهة نظري». وفي رسالته المفتوحة إلى الرأي العام تحت عنوان «زمن المصالحة» ذكّر تايلور أنه بالفعل وقّع تلك التوصيات، غير أنه وبعد مرور 9 سنوات سحب توقيعه لأن ذلك «يعود في شكل رئيس إلى التطورات التي طرأت على الملف وجعلتني أغيّر رأيي»، مشيراً إلى أن الواقع الاجتماعي والسياسي تغيّر منذ الهجوم الذي استهدف مسجد كيبك، وأدّى إلى مواقف تضامنية تاريخية واعتراف متبادل بين الكيبكيين من مختلف أصولهم العرقية والثقافية. لكن الجديد اليوم هو أن تايلور، لم يعد يرى أن على كيبك إصدار قوانين تمنع هؤلاء الموظفين من ارتداء رموز دينية. كما تطرّق في رسالته إلى ما اعتبره «المفاعيل الثانوية للتنميط» على بعض شرائح المجتمع والناجمة عن النقاش حول شرعة القيم الكيبكية التي اقترحها الحزب الكيبكي عام 2013 عندما كان في السلطة، لافتاً إلى «تضاعف حوادث الاعتداء، خصوصاً على مسلمات يرتدين الحجاب»، مضيفاً أنه» كانت لدى مرتكبيها مشاعر عدائية تجاه المهاجرين عموماً أو تجاه المسلمين». وينهي تايلور «محاكمته» تلك الحقبة بتأييده عدم حظر الرموز الدينية لأي شخص في كيبك سواء كان مواطناً أو مهاجراً، بصرف النظر عن عرقه أو دينه أو لونه أو ثقافته. ويؤكّد رئيس الحكومة الحالية فيليب كويار أن «مسألة الرموز الدينية أصبحت غير موجودة باستثاء كشف الوجه للمنقبات لأسباب التواصل والأمن والخدمة العامة». ورأى أن طرحها مجدداً أمر عقيم «سيعيدنا إلى المشكلة ذاتها في شكل كامل. وقد شهدنا فصولاً منها تجلّت في مظاهر الرعب في كيبك وعودة العنصرية وكراهية المهاجرين ووقوع حالات عنف وقتل». أما الأحزاب المعارضة فتبدو مرتبكة ومترددة بين اعتماد علمنة الدولة وحياديتها في المسائل الدينية. واللافت أن بوشار يغرّد وحده خارج السرب الحكومي والمعارضة، ويرى أن تنافس الأحزاب السياسية في مسألة الرموز الدينية «تزيد انقسام كييك وتنعش الأصولية وتنمّي الكراهية وتقود إلى الإرهاب الذي وصل إلينا أخيراً»، معرباً عن عدم تفاؤله «بما يجري وبما سيحصل من تطورات وتغيّرات مستقبلية، وآمل بألا تكون دراماتيكية». ويؤكّد بوشار أن ارتداء الرموز الدينية بات «كرة تتقاذفها الأحزاب السياسية والحكومات المتعاقبة وفقاً لمصالحها الانتخابية»، فتارة تُطرح من خلال ما يسمّى «شرعة القيم» أو «الملاءمات المعقولة» أو «حيادية الدولة» أو «علّمنة الدولة»، إلا أن أياً من هذه الشعارات «لم يفلح في حل هذه المسألة المعقّدة جداً».