نفذت حكومة «العدالة والتنمية» في تركيا، وعدها الانتخابي بالإفساح في المجال أمام من يرغبن من العاملات في المؤسسة العسكرية في ارتداء الحجاب، ما يدخله في قلب أكبر القلاع العلمانية في البلاد، والذي ظل فائزاً لعقود طويلة في معركة الحظر، وفرض عام 1997 على رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان تطبيقه في الجامعات، في إطار حملة قوية شنها الجيش على الجماعات الدينية و حزب «الرفاه الإسلامي» الحاكم حينذاك، وأدت لاحقاً إلى حل الحزب بقرار من المحكمة الدستورية العليا. وفي انتظار كشف عدد النساء اللواتي سيرتدين الحجاب في الجيش بعد صدور القرار، يُنهي الأتاتوركيون (نسبة إلى مؤسس الدولة العلمانية مصطفى كمال أتاتورك) العلمانيون آخر رهاناتهم على المؤسسة العسكرية للحفاظ على إرث أتاتورك، أو لعب دور في الحياة السياسية مستقبلاً، فيما سبق أن فقد التيار السياسي الأتاتوركي قوته ونفوذه إثر تخلي حزب «الشعب الجمهوري» المعارض عن سياساته الرافضة الحجاب باعتباره رمزاً للإسلام السياسي، وشارك عام 2013 في تمرير قانون طرحته الحكومة للسماح بارتدائه في المؤسسات الرسمية والبرلمان. من هنا، لم يكن قرار السماح بارتداء الحجاب في الجيش، والذي جاء بعد إقرار ارتدائه في المدارس والمؤسسات الحكومية والشرطة والأمن، مفاجئاً. ولم يواجه أي جلبة أو اعتراض، لكنه حمل معاني رمزية بانتهاء حقبة الهيمنة العسكرية على الدولة المدنية والفكر الأتاتوركي المتشدد في تعريفه العلمانية. وسبقت ذلك أيضاً إشارات مهمة إلى إسقاط الجيش «ولاءاته العلمانية»، إذ سمح قائده الجنرال خلوصي أكار بنشر صور له لدى تأديته مناسك العمرة والصلاة إلى جانب الرئيس رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي، وهو أمر لا سابق له، في ظل حرص القيادات السابقة للجيش على التكتم على توجهاتها الدينية والعقائدية أمام الرأي العام. وظل قائد الجيش لسنوات هدفاً للتيارات الإسلامية تتهمه بنشر الإلحاد تحت ستار العلمانية، ومحاربة المتدينين والإسلاميين، حتى انتشرت على ألسنة السياسيين الإسلاميين جملة شهيرة مفادها «ننتظر أن يُزقنا الله يوماً قائد جيش مؤمناً تظل جبهته على سجادة الصلاة». وكان لافتاً أن معارضي القرار لم ينتقدوا خرقه الأسس العلمانية للجيش، بل مساهمته في إدخال مجموعات مذهبية جديدة إلى المؤسسة العسكرية، واحتمال خلقه احتكاكات داخل قياداتها في المستقبل، في حين وجد أتباع جماعة الداعية الإسلامي فتح الله غولن، المتهم بالوقوف خلف محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز (يوليو) الماضي، صعوبة في التسلل إلى المؤسسة العسكرية بسبب سياساتها العلمانية الصارمة. على صعيد آخر، اعتقلت السلطات 35 مشتبهاً بانتمائهم إلى تنظيم «داعش» خلال مداهمات نُفِّذت في 41 موقعاً بأنحاء مدينة إسطنبول، وشهدت جمع وثائق عدة خاصة بالتنظيم المتهم بشن ست هجمات على الأقل ضد أهداف مدنية في البلاد خلال ال18 شهراً الماضية، ما حتم تكثيف السلطات جهودها لتفكيك شبكات تابعة لها. وقتل 39 شخصاً غالبيتهم أجانب ليلة رأس السنة، حين فتح مسلح من «داعش» النار داخل ملهى «رينا» الليلي في إسطنبول. وأعلن التنظيم أنه نفذ الهجوم انتقاماً من تورط الجيش التركي في سورية.