من المستطاع النظر الى الجائزة التي نالها وجدي جورج الحبشي من «المركز الكندي الفيديرالي للعلوم والفنون»، وقيمتها مئة ألف دولار، باعتبارها تتويجاً لمسار هذا الأكاديمي الكندي ذي الأصول المصرية. ولد الحبشي عام 1946 في مدينة بور سعيد. والتحق بكلية الهندسة في جامعة القاهرة لمدة سنتين، هاجر بعدها الى كندا عام 1964. وحصل من جامعة «ماكغيل» في مونتريال على شهادتي البكالوريوس والماجستير في الهندسة الميكانيكية عام 1967. وحاز الدكتوراه في هندسة الطيران من جامعة كورنيل في ولاية نيويورك. وعمل استاذاً جامعياً لعامين في «معهد ستيفنس للتكنولوجيا» في ولاية نيوجرسي. واشتغل باحثاً في جامعات كندا، منذ ما يزيد على 25 عاماً. وحاضراً، يعمل الحبشي استاذاً محاضراً في الهندسة الميكانيكية في جامعة ماكغيل في مونتريال ويدير «مختبر الكومبيوتر لديناميكيات السوائل» Computational Fluid Dynamics Laboratory في هذه الجامعة. ويرأس فريقاً من 20 باحثاً، يشتغل مشاريعه على «سوبركومبيوتر» قيمته 40 مليون دولار. وحظي باهتمام عالمي واسع عندما نجح في صنع تقنية رقمية تستطيع إذابة الجليد عن سطوح الطائرات وأجنحتها ومحركاتها ومقدمتها الأمامية أثناء تحليقها في الجو. المحاكاة الافتراضية ونجاة الطائرات في لقاء مع «الحياة»، وصف الحبشي هذه التقنية بأنها ثورية، موضحاً أنها جاءت نتيجة مجموعة من البحوث عن العوامل المناخية التي تؤثر في الطائرات، خصوصاً ما يتعلق بالجليد والمرونة والصوت والهواء. وأوضح الحبشي أنه حين تدخل الطائرة في سحابة من الثلج أو يتجمع الجليد على هيكلها في جو تتدنى حرارته عن 50 درجة تحت الصفر، يُنظر الى الأمر باعتباره مصدراً للخطر البالغ على سلامة الطائرة وركابها. وبيّن أن تراكم الجليد يشكّل عبئاً إضافياً على المحركات، ويؤثر على استقرار الطائرة وتوازنها، ويعيق حركة الاتصال معها، إضافة الى تسببه بحال من الإرباك لقائد الطائرة وطاقمها الفني. وتلافياً لهذه الأخطار التي تنتج منها أحياناً كوارث مأسوية، انكبّ الحبشي على بحوث تتصل بتوفير أمن الطائرة وسلامتها. وباستخدام تقنية المحاكاة الافتراضية للكومبيوتر، وضع الحبشي تصاميم تعتمد على ديناميكيات السوائل، تتعلق بتدفق الهواء على أجنحة الطائرة ومحركها، أثناء تراكم الجليد على هيكلها. ونُفّذت هذه التصاميم وتجاربها على «سوبر كومبيوتر» يقدر على إجراء حسابات دقيقة تتعلق بحركة الطائرة في الجو ومسارها والظروف التي قد تتعرض لها، وطبقات الجليد المترسبة على هيكلها، توصّلاً الى العمل على التخلّص من هذه الطبقات. وبقول آخر، تعتمد هذه التقنية على مزيج من الهندسة والفيزياء والرياضيات وعلوم الكومبيوتر، بحسب توضيحات من الحبشي. ولفت إلى ان الاختبارات على الرحلات الجوية بعد التصنيع يتطلب وقتاً طويلاً وتكاليف باهظة. ويعطي الكومبيوتر إمكاناً لتلافي هذا الأمر. وقال: «بات مهندسو الفضاء يصمّمون الطائرات على الكومبيوتر، كما يبرمجون المواصفات التي تحدّد سلامة الأجنحة، والحمولة القصوى، وحجم المحرك، واستهلاك الوقود، والتعامل مع الضجيج، وطُرُق إزالة الجليد وغيرها. تباع هذه البرمجيات المتطورة إلى شركات عالمية في تصنيع الطائرات مثل «لوكهيد مارتن» و «بيل هيلوكبتر» و «بوينغ» و «بومباردييه» و «ميتسوبيتشي» وغيرها». ولفت الحبشي إلى انه باع أخيراً برمجيات من هذا النوع إلى مشروع صيني لصناعة 70 طائرة ذات مقعدين، علماً بأن هذه البرمجيات والتصماميم يمكن تطبيقها أيضاً على الطائرات النفاثة والعمودية والطائرات من دون طيار وغيرها. أكّد الحبشي أن تقنية المحاكاة الافتراضية للكومبيوتر تقدّم أداة لحل كثير من المشاكل التي تواجه الطائرات في رحلاتها الجوية. جسر بين العِلم والأسواق يبدو ان طموحات الحبشي لا تتوقف عند أعماله في مختبر الكومبيوتر الخارق في جامعة ماكغيل. إذ أسّس شركة «نيومريكال تكنولوجيز إنترناشيونال» Newmerical Technologies International في مونتريال برأسمال قدره 3 ملايين دولار. ومن المستطاع التعرّف الى هذه الشركة على العنوان الإلكتروني («نيومريكال. كوم» newmerical.com). وتقدّم لشركات الطيران مثل «إيروسبيس» و «برات أند ويتني» و «بيل هيلوكبتر» و «نورثروب غرامان» وغيرها، تقنيات رقمية مبتكرة تتعلّق بمعايير السلامة وأمن الملاحة الجوية، تشمل تصاميم هندسة الهواء، والمحاكاة الافتراضية لتدفق الريح وتناقل الحرارة وتجمع الثلج وغيرها. وأوضح الحبشي أن ما دفعه لتأسيس شركة خاصة يتصل بسيطرة الجامعة على مختبره، بمعنى أنه لم يكن يجني مكاسب مما يبيعه المختبر لشركات الطيران، على رغم ضخامة هذه الصفقات. وأكّد أن شركته توصلت خلال السنوات التسع الماضية، إلى بيع تقنياتها إلى شركات في صناعة الطيران العالمية، فصارت معتمدة كبديل لما اعتادت ان تقدّمه جهات مثل «الوكالة الأميركية للطيران والفضاء» («ناسا»). وأبرز مقالاً لصحيفة «غازيت» في كندا، يسأل عن إمكان أن تنافس التقنيات التي يصنعها الحبشي، ما تبتكره وكالة «ناسا» في علوم الطيران وأمان الرحلات الجوية. نال الحبشي عدداًَ كبيراً من الجوائز وألقاب الزمالة من جامعات ومؤسسات صناعية وهندسية، خصوصاً في كندا والولايات المتحدة. وحصل أيضاً على جوائز التميّز عن بحوثه في ديناميكا الهواء وتقنيات المحاكاة الافتراضية في الكومبيوتر. تبوّأ مناصب علمية لافتة كعمله مستشاراً في شركات صناعة الطائرات والكومبيوتر، وأستاذاً في شركة «بومباردييه» وجامعة توتغلي في شنغهاي (الصين الشعبية) وغيرها. ووضع 270 مقالة علمية. وألّف مجموعة من الكتب في الهندسة الميكانيكية والطيران. وترأّس تحرير «المجلة العالمية لحوسبة ديناميكيات السوائل». وصنّفته كندا ضمن أبرز 12 مهندساً للطيران وأمن الرحلات الجوية. وأخيراً، أكّد الحبشي أن السنوات المقبلة ستشهد ثورة في صناعة الطائرات المدنية تقودها الصين واليابان وكوريا الجنوبية، ما يؤدي الى تفوّقها على الدول الغربية في صناعة الطيران المدني.