عندما أخصص لحظات للتفكير ومقارنة إعلام الماضي بالواقع الإعلامي اليوم، أدرك وبوضوح أن التقنية والخيارات الإعلامية تطورت وفي شكل ملحوظ. فقبل عشرين سنة كانت كل دولة تملك قناة واحدة تكون بعيدة من المنافسة، وبعد العولمة والفضائيات أصبحت القناة الواحدة تتفرع منها قنوات مختلفة، والحال نفسها بالنسبة الى الدول التي باتت تبث من خلال أكثر من قناة... لذا، أصبحنا بحاجة لقوانين تحترم أخلاق المهنة، وتحكم البث لجهة المضمون والشكل، وتحفظ حقوق الجميع. وفي ظل تعطش المحطات للمادة التلفزيونية المرتبطة بالوجود المادي بدأنا عصراً إعلامياً جديداً تحكمه التكلفة المادية، ما خلق سلبيات كثيرة. فبينما يوفر التقشف المادي فرص عمل للشباب والمبدعين من اعلاميين وفنيين إلا أن هذه الإيجابية تُغيب أحياناً بعض الكفاءات، لتوفر الفرص للمذيع غير المثقف «الوسيم» والمذيعة «المايصة»، والممثل الأقل أجراً على حساب العمل الفني. ولا ننسى الفرص التي توافرت لمن يملكون المادة لدخول الوسط الفني كمنتجين، على رغم انعدام خبرتهم، وفي ظل عدم حرصهم على تقديم عمل فني يحمل رسالة، ليصبح الهدف ربحياً خالصاً، ما خلق أعمالاً شوهت في طرحها صورة مجتمعنا. ومع هذا، أجد نفسي عاجزة عن لوم القنوات والقائمين عليها، كونها مجبرة على حشو ساعات البث بأي مادة بصرف النظر عن قيمتها. وفي الفترة الأخيرة تحولت السيطرة وفي شكل كامل ل «الوحش» المسمى بالمعلن، فأصبح يحدد المواد المعروضة ويختار ما شاء منها... وهذه للأسف سمة الإعلام العربي فلا ركائز وأسس يقوم عليها، ولا نهج وسياق يفهمه المشاهد ليختلط الحابل بالنابل، ويبقى الحريصون على قيمة الإعلام العربي يكافحون ويصارعون في محاولة لتقديم ما تمليه عليهم ضمائرهم من رسائل فنية وإعلامية هادفة، وهم القلة التي ننتظر أن يقوم على أكتافها العصر الإعلامي الجديد، ويفترض أن يكون هؤلاء هدفاً استقطابياً للفضائيات والقنوات الحكومية.