اختتم رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري زيارته الرسمية للكويت أمس، حيث عقد لقاءات رسمية، وأكد خلال مشاركته في افتتاح «ملتقى الكويت المالي الثاني 2010» أن «الفرصة أمام لبنان لن تضيع، وإني على يقين تام، بأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وبأن هذا البلد الذي راهنتم عليه في الماضي، سيكون محل ثقة لرهانكم عليه وعلى شعبه في المستقبل»، معلناً أن «الاستقرار في لبنان هو مسؤولية عربية أيضاً، بقدر ما هو مسؤولية اللبنانيين جميعاً». ومن الكويت، توجه الحريري الى لندن حيث يلبي دعوة رسمية من نظيره ديفيد كاميرون. والتقى الحريري قبل مغادرته الكويت أمير الدولة الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في الديوان الأميري في قصر بيان، في حضور ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح ورئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح ووزير الخارجية الشيخ محمد الصباح السالم الصباح ووزير المالية مصطفى الشمالي ووزير التجارة أحمد الهارون ونائب وزير شؤون الديوان الأميري الشيخ علي الجراح الصباح ومستشار ديوان رئيس الوزراء فيصل الحجي وسفير الكويت في لبنان عبد العال القناعي ومدير الصندوق الكويتي للتنمية عبد الوهاب البدر. وحضر عن الجانب اللبناني وزير المهجرين أكرم شهيب والنائب السابق باسم السبع وسفير لبنان في الكويت بسام النعماني ومدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري والمستشاران هاني حمود وفادي فواز. وأجرى الحريري محادثات مع نظيره الكويتي الشيخ ناصر المحمد الجابر الصباح في الديوان الأميري أيضاً، في حضور عدد من الوزراء والمسؤولين الكويتيين والوفد اللبناني المرافق. وجرى خلال لقاء الحريري مع أمير الكويت ومع رئيس الوزراء الكويتي بحث مسهب في الوضع في العراق وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة والانتهاكات الإسرائيلية، وتم الاتفاق على أن تعقد اللجنة العليا اللبنانية- الكويتية اجتماعاً قريباً لها في بيروت. وقدم الحريري عرضاً للمشاريع الاستثمارية التي يمكن أن تساهم فيها الكويت. وزار الحريري مجلس الأمة الكويتي حيث التقى رئيس المجلس جاسم محمد الخرافي في حضور عدد من أعضاء المجلس والوفد اللبناني المرافق، كما زار منزل وزير المال الكويتي السابق بدر الحميضي وقدم له واجب التعزية بوفاة عمه خالد أحمد محمد صالح الحميضي. ملتقى الكويت المالي وكان الحريري شارك صباحاً في حفلة افتتاح «ملتقى الكويت المالي الثاني 2010» الذي أقيم في فندق «شيراتون- الكويت» برعاية رئيس مجلس الوزراء الكويتي وحضور عدد كبير من المسؤولين الكويتيين والعرب وسفراء ومصرفيين ورجل أعمال وشخصيات. واستهل كلمته بتوجيه «تحية وفاء وامتنان من لبنان إلى الكويت وأميرها وحكومتها وشعبها» على وقوفها الى جانب لبنان، وتحدث عن «التحديات الاقتصادية والمالية والتنموية ووسائل معالجتها في عالمنا العربي»، لافتاً الى أن «المنطقة العربية استطاعت الى حد كبير تجنّب الخسائر المالية المباشرة للأزمة العالمية. وجاء ذلك بدفع قوي من السياسات المالية التوسعية التي انتهجتها بعض الحكومات لتحافظ على الاستقرار في اقتصاداتها، أو نتيجة لضعف ترابط بعض الأسواق المالية والتجارية العربية بالأسواق العالمية»، ومؤكداً أن «الدول العربية تزخر بإمكانات كبيرة للنمو. فمنطقتنا لديها عنصر شباب مهم، وهي غنية بالموارد الطبيعية الأساسية، وتمتلك سيولة عالية». واعتبر الحريري أن «أمامنا اليوم فرصة لنلعب دوراً مهماً على صعيد الاقتصاد العالمي. وهذا من دون شك يعطينا زخماً لتطوير قدراتنا من أجل تحقيق المزيد من الاندماج في الاقتصاد العالمي، وتحسين مستوى التمثيل العربي في المؤسسات الدولية. لكنناً أيضاً أمام تحدي المنافسة مع غيرنا من الدول ذات الأسواق الناشئة، والتي تتسابق بدورها لأن تأخذ حصة أكبر في رسم السياسات الاقتصادية والمالية الدولية. وهنا، أهمية هذا الملتقى بأن نتحاور ونستمع الى الأفكار حول الآفاق المستقبلية للمنطقة العربية، وحول الدور المنوط بنا في المحافل الاقتصادية الدولية». وأعلن أن «غايتنا ليست فقط أن نحيّد أنفسنا عن العقبات التي قد تعترضنا، بل نطمح للإفادة من الفرص المتاحة. وحصلنا بجدارة على تمثيل عربي في مجموعة العشرين، ونتطلع لأن يكون هذا التمثيل تعبيراً عن الموقف العربي الموحّد في ضوء التطورات العالمية». وأوضح الحريري أن «التحدي الأبرز أمام الدول العربية هو خلق فرص عمل للشباب والشابات. فالمنطقة العربية تحتاج الى أكثر من 18 مليون فرصة عمل جديدة خلال العقد المقبل. وهذا أمر يلقي علينا مسؤولية إيجاد البيئة الملائمة لتحفيز القطاع الخاص على القيام بالاستثمارات المنتجة التي بدورها تؤدي إلى فرص العمل وإفساح المجال أمام الشباب العربي للمشاركة في إدارة الشأن العام»، معلناً أنه يعول على «القطاع الخاص ودوره كرافعة أساسية لاقتصاداتنا الوطنية. ولا شك أيضاً في أن للقطاع المصرفي دوراً محورياً في تمويل مشاريع التنمية الاقتصادية». وأكد أن «من واجبنا، نحن الحكومات، أن نؤمن الاستقرار السياسي والتشريعي، والإطار القانوني والمؤسساتي الملائم بما يشجّع المصارف العربية على تمويل المشاريع الاستثمارية. ولا ننسى في هذا المجال دور أسواق المال والبورصات العربية في تنويع قاعدة التمويل للقطاع الخاص». ودعا الحريري الى «التشدد في تطبيق المعايير الدولية في الرقابة والممارسات المصرفية السليمة، ووضع التشريعات والإجراءات التي تنظّم عمل البورصات العربية، وتشجعها على النمو. والغاية من ذلك تحصين آليات التمويل العربية تجاه الأزمات المالية الدولية، بالإضافة الى الحفاظ على الاستقرار النقدي والاقتصادي في المنطقة». الاستقرار في لبنان مسؤولية عربية وقال: «نحن في لبنان نتطلع دوماً الى تفعيل العمل العربي المشترك، والى التعاون والاستفادة من خبرات الأشقاء العرب في المجالات كافة. تعلمون جيداً أن لبنان مر ويمر بفترات صعبة، لكنه على رغم ذلك استطاع أن يتفادى تداعيات الأزمة المالية العالمية وخرج منها بمعدلات نمو مرتفعة، وانخفاض في معدلات الفائدة، وارتفاع في الرساميل الوافدة، والاحتياط الأجنبي، وبفائض كبير في ميزان المدفوعات. والسياسة الاقتصادية لحكومتنا تهدف الى تشجيع النمو والحفاظ على معدلاته المرتفعة. وقد حققنا معدل نمو 8 في المئة خلال السنوات الثلاث الماضية. وكي نحافظ على النمو، وضعنا في أولويات سياساتنا أن يكون النمو مبنياً على عناصر داخلية وليس فقط على عناصر خارجية. وفي هذا الشأن، نتطلع إلى مقاربة أزماتنا السياسية بوعي ومسؤولية، وتجنب الانجراف إلى ما يمكن أن يسيء إلى الاستقرار الوطني ويعطل إرادة الحوار والتواصل بين اللبنانيين». ولفت الحريري الى أن «تجارب السنين الماضية كافية لأن نستخلص منها العبر، ونتأكد من أن لا خيار أمامنا، سوى التضامن في سبيل ترسيخ وحدتنا الوطنية والانطلاق في ورشة مواصلة بناء لبنان من جديد، وإعطاء حكومة الوحدة الوطنية فرصة الاستثمار في الاستقرار لتتمكن من أداء دورها في الاستثمار الاقتصادي والاجتماعي». وأعلن أنه «على رغم كل الظروف والصعوبات، ها هي حكومتنا تضع في أولوياتها المباشرة تحسين البنية التحتية، وأعدت دراسات قطاعية مفصّلة للبرامج الاستثمارية الكبرى، ستشمل مرافق الكهرباء والمياه والطرق والتعليم وشبكة الاتصالات. كما نعمل حالياً على تحسين بيئة الأعمال في لبنان، وتحقيق اللامركزية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية»، لافتاً الى أن «كل ما يصيب الوطن العربي يعنينا نحن في لبنان. وليس من باب التخلي عن مسؤولياتنا الوطنية أن نقول أمامكم أن الاستقرار في لبنان هو مسؤولية عربية أيضاً، بقدر ما هو مسؤولية اللبنانيين جميعاً». وأضاف: «سرنا أن نستمع بالأمس إلى النداء الذي وجهه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى القيادات العراقية، ودعوته النبيلة إلى حل مشكلات العراق تحت مظلة الجامعة العربية. إن هذه الدعوة تضع الحلول لقضايانا العربية الشائكة في إطارها الصحيح، أي في الإطار القومي المطلوب، ونحن في لبنان سنكون في طليعة المؤيدين لها ومباركتها على كل صعيد. وبغض النظر عن ردود الفعل الأولية، فإننا ننصح جميع الأخوة في العراق بعدم تفويت هذه الفرصة الذهبية». وكان رئيس مجلس الوزراء الكويتي أقام مساء أول من أمس عشاء على شرف الحريري والوفد اللبناني المرافق في المطعم الهاشمي في فندق «راديسون بلو». وحضر العشاء رئيس مجلس الأمة الكويتي وعدد من الوزراء والشيوخ الكويتيين وكبار المسؤولين في الدولة، وعدد من السفراء العرب والأجانب المعتمدين في الكويت، وأعضاء من الجالية اللبنانية ورجال أعمال وشخصيات سياسية واقتصادية واجتماعية وإعلامية.
