استعادت الولاياتالمتحدة أجواء الحركات الاحتجاجية المناهضة لحرب فيتنام، والمدافعة عن الحقوق المدنية، بعدما سجّلت تظاهرات نسائية مناهضة للرئيس دونالد ترامب، حشوداً ضخمة فاقت التوقعات، وتزامنت مع تجمّعات كبرى في العالم. وقُدِرت أرقام المشاركين بخمسة ملايين شخص، فيما شنّ ترامب حملة عنيفة على وسائل الإعلام، اذ اتهمها بالتقليل من حجم المشاركين في احتفال تنصيبه الجمعة، معتبراً أن الصحافيين هم بين «الأشخاص الأكثر قلة للنزاهة في العالم». تصريحات ترامب وردت أثناء زيارة لمقرّ وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي اي) في لانغلي السبت، متهماً خلالها وسائل الإعلام بتضخيم خلافه مع الوكالة، بعدما خلص تقرير أعدّته إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر باختراق الكتروني لانتخابات الرئاسة في الولاياتالمتحدة، من أجل دعم حملة المرشح الجمهوري. واتهم ترامب آنذاك وكالات الاستخبارات الأميركية بانتهاج أساليب تذكّره بألمانيا النازية، ما دفع جون برينان، المدير المنتهية ولايته ل «سي آي إي»، الى انتقاد الرئيس الجديد علناً. لكن مايكل موريل، نائب برينان، رأى في زيارة ترامب «بادرة مهمة وإيجابية». وتجنّب ترامب الإشارة الى روسيا، قائلاً: «لا يقدر على ما تفعلونه سوى عدد قليل جداً من الناس، وأريدكم أن تعلموا أنني أدعمكم جداً. أنا معكم تماماً، أحبكم وأحترمكم. ليس هناك أحد متعلّق الى هذه الدرجة بمجتمع الاستخبارات وسي آي إي، مثل دونالد ترامب». وأضاف: «نحن على الموجة ذاتها، وسنفعل أشياء مذهلة. لم نستخدم الإمكانات الحقيقية التي نمتلكها. علينا التخلّص من تنظيم داعش، لا خيار أمامنا. يجب استئصال الإرهاب الإسلامي الراديكالي». وتطرّق ترامب الى المشاركين في احتفال تنصيبه الجمعة، قائلاً: «بصراحة، بدا أن هناك 1.5 مليون شخص، وصلت (الحشود) حتى نصب واشنطن. أشاهد شبكة تلفزة كانت تُظهِر (مساحات) فارغة وتتحدث عن 250 ألف شخص. عرضت ساحة كأن أحداً لم يكن يقف فيها. هذا نفاق». وندد ب «حرب» تشنّها ضد وسائل الإعلام، معتبراً أن الصحافيين هم بين «الأشخاص الأكثر قلّة للنزاهة في العالم». وانتقد شون سبايسر، الناطق باسم ترامب، محاولات «مخجلة وخاطئة لتقليل الاهتمام باحتفال التنصيب»، وزاد: «عدد المشاركين في احتفال تنصيب ترامب كان الأضخم في تاريخ الولاياتالمتحدة، نقطة على السطر. سنحاسب الصحافة على ذلك. الأميركيون يستحقون ما هو أفضل، ودونالد ترامب سيتحدث مباشرة إليهم». ورفض الإجابة عن أيّ من أسئلة الصحافيين، لافتاً الى أن أماكن مخصصة لحوالى 720 ألف شخص، كانت ممتلئة عندما أدى ترامب القسم الدستوري. وأضاف أن هيئة المتنزهات القومية لا تعطي أرقاماً رسمية لعدد الناس، وزاد: «لا أحد لديه أعداد». ولا تعلن الشرطة الأميركية أرقاماً خلال التظاهرات، لكنّ صوراً جوية بثّتها شبكات تلفزة أميركية، أظهرت أن الحشود لم تصل الى نصب واشنطن، وأن العدد كان أقل من 1.5 مليون. وكانت حكومة مدينة واشنطن قدّرت أن 1.8 مليون شخص حضروا احتفال تنصيب باراك أوباما رئيساً عام 2009. تظاهرات النساء انتقادات سبايسر وردت بعد مشاركة فاقت التوقعات في مسيرات نسائية مناهضة لترامب، شملت مدناً كثيرة في الولاياتالمتحدة وامتدت الى العالم. احتجاجاً على «معاداته» النساء أثناء حملته الانتخابية، ومواقفه في مسائل بينها الاحتباس الحراري ومشروع «أوباما كير» للتأمين الصحي والمسلمون. وأعلن منظمو المسيرات أنها اجتذبت حوالى 5 ملايين شخص في العالم، اذ شملت تنظيم نحو 670 تجمّعاً، تضامناً مع الحدث الرئيس في واشنطن، والذي شلّ لساعات الحركة في وسط العاصمة قرب البيت الأبيض، وفي متنزّه المول المؤدي الى مبنى الكابيتول حيث مقرّ الكونغرس. وقدّر منظمو مسيرة النساء في واشنطن عدد المشاركين بمليون شخص، رفع خلالها المتظاهرون لافتات كُتب عليها «لا تراجع للنساء» و «حقوق المرأة هي حقوق الإنسان» و «شكراً ترامب، حوّلتني ناشطة». ورُدِدت هتافات بينها «نريد زعيماً حقيقياً لا مغرداً منفّراً على تويتر» و «ترامب يجب أن يرحل». وشكّلت النساء الكتلة الأكبر من المتظاهرين، لكن كثيرات اصطحبن أزواجهنّ وأصدقائهنّ وأطفالهنّ. وقالت بام فويستر إن المناخ العام في العاصمة ذكّرها باحتجاجات ستينات وسبعينات القرن العشرين، ضد الحرب في فيتنام ومن أجل الحقوق المدنية وحقوق المرأة، مضيفة: «عمري 58 سنة ولا أصدق أن علينا تكرار هذ الأمر». وتحدثت الطالبة ماريا ايمان (16 سنة) عن «شعور رائع» أن تنضم الى نساء يرفضن خطاب ترامب «التمييزي والخطر والمثير للانقسام». والتظاهرة كانت من الأهم في تاريخ واشنطن، وتعاقبت شخصيات على مخاطبة الجمهور من على المنصة، بينهم المخرج السينمائي مايكل مور والممثلتان اميريكا فيرارا وسكارلت يوهانسون والمغنيتان اليشا كيز ومادونا. وكانت مسيرة النساء انطلقت برسالة بسيطة نشرتها المحامية المتقاعدة تيريزا شوك من هاواي على موقع «فايسبوك» الى حوالى 40 من أصدقائها، فانتشر الخبر وتحوّل تعبئة حاشدة. وقدر منظمون مشاركة حوالى 750 ألفاً في تظاهرة لوس انجليس، فيما رجّح رئيس بلدية نيويورك بيل دي بلاسيو تجمّع حوالى 400 ألف في شوارع المدينة، لكنّ المنظمين قدّروا العدد بحوالى 600 ألف. كما نُظمت تظاهرات في شيكاغو ودالاس وسان فرانسيسكو وسانت لويس ودنفر ومدن كثيرة أخرى، ضمّت مئات الآلاف. وقدّر المنظمون مشاركة 200 ألف في كلّ من شيكاغو وبوسطن ودنفر. وأعلن المنظمون أن اكثر من 2.5 مليون شخص انضموا الى اكثر من 600 مسيرة في العالم، طاولت لندن وسيدني وطوكيو ومدناً أخرى أوروبية وآسيوية. الى ذلك، أعلنت شركة «نيلسن» الأميركية لبحوث الإعلام وقياسات المشاهدة أن حوالى 31 مليون مشاهد تابعوا التغطية التلفزيونية الأميركية الحية لتنصيب ترامب، في مقابل حوالى 38 مليوناً تابعوا تنصيب باراك أوباما عام 2009.