ينتظر من ينوي الفرار من الموصل حلول الليل قبل أن ينفذ مغامرته المحفوفة بالأخطار لعبور الجسور التي خربها القصف أو الخطوط الأمامية الفاصلة بين مسلحي «داعش» والقوات العراقية. بعضهم يعبر نهر دجلة في زوارق. ويتسلق آخرون ما تبقى قائماً من الجسور باستخدام الحبال. وجاء معظم ال 116 ألف مدني هربوا من المدينة منذ بدأت القوات العراقية حملتها لاستعادة أكبر معاقل التنظيم من الشطر الشرقي. ومع دخول أكبر معركة يشهدها العراق منذ عام 2003 أسبوعها الثاني عشر يتزايد عدد الفارين من الضفة الغربية المحاصرة التي تمثل نصف المدينة الخاضع بالكامل لسيطرة الإرهابيين. وقال جمال الذي عبر النهر مستخدماً حبلاً لتسلق بقايا أحد الجسور ويقيم الآن في مخيم للنازحين مع زوجته وأطفاله الثلاثة: «المحظوظون فقط هم من يخرجون». وأضاف: «لو فتحوا طريقاً لمدة ربع ساعة لن يبقى شخص واحد في الضفة الغربية». وعلى رغم أن الاشتباكات لم تصل بعد إلى الشطر الغربي من المدينة فقد ازدادت ندرة المواد الغذائية عن ذي قبل منذ تقدمت فصائل شيعية تدعمها الحكومة عبر الصحراء من الاتجاه الجنوبي الغربي للموصل، وأغلقت المنفذ الوحيد المؤدي إلى المدينة أمام الإرهابيين. وقال مدنيون فروا من الغرب في الأيام الأخيرة، إن المسلحين أعلنوا أنهم سيوزعون مواد غذائية قريباً ويكسرون الحصار في محاولة لتهدئة الخواطر. أثناء التحضير للعملية العسكرية كانت وكالات الإغاثة تتأهب لنزوح جماعي من الموصل التي يبلغ عدد سكانها 1.5 مليون نسمة. ويميل بقاء معظم السكان في المدينة لمصلحة «داعش» إذ يؤخر تقدم القوات تفادياً لوقوع خسائر بشرية في صفوف المدنيين. وقال أبو محسن (20 سنة) وقد نقله إلى الضفة الأخرى من نهر دجلة صديقه الصياد، إن معظم سكان الشطر الغربي كانوا يخططون للبقاء عندما بدأت الحملة العسكرية. لكن مع تباطؤ تقدم القوات الشهر الماضي بدأت الحسابات تتغير. وأضاف: «عندما توقفت العمليات قال الناس إن الجيش لن يصل إليها. وقالوا إن العملية ستستغرق عاماً أو عامين». وحتى وقت قريب كان الإرهابيون يعاقبون من يضبط وهو يحاول الهرب بالإعدام، غير أن الوافدين الجدد إلى المخيم قالوا إن كثرة من يحاولون الهرب دفعتهم إلى تخفيف العقوبة. قال أبو العبد (22 سنة) وقد عبر النهر قبل ثلاثة أيام، مستغلاً انصراف أنظار مسلحي التنظيم: «سيكون عليهم إعدام الموصل كلها، ولذلك بدأوا يجلدون الناس ويعيدونهم إلى حيث أتوا». وما زالت التنظيم. ويتعين على من يريد عبور النهر إيجاد طريق عبر خط المواجهة. وقال أبو عبدالله الذي فر من حي 17 تموز في الغرب «عندما شاهدنا الجيش كان كما لو كنا نحلم. لم نكن نصدق أعيننا».