مشهد يتكرر في كل شارع وزقاق، عشرات الاطفال يعيشون في منزل ضيق لا يتّسع لخمسة اشخاص ويفتقر الى الماء والكهرباء. هكذا هي الحياة في مدن عراقية كثيرة، إحداها مدينة الصدر التي يخيل لزائرها ان جيوشاً من الأطفال احتلتها وأطبقت السيطرة عليها. فالمدينة التي تعاني ازمة حادة في السكن، يكتفي فيها معظم العائلات بغرفة واحدة للزوجين و12 طفلاً، في سكن مشترك مع الأقارب الذين ورثوا المنزل ولم يجدوا غيره يؤيهم. علي، في السادسة من العمر، واحد من 21 طفلاً لثلاث عائلات تعيش في منزل لا تتجاوز مساحته 144 متراً. تقيم فيه كل عائلة داخل غرفة لا تكفي لاحتواء اجساد الصغار الممددة على فرشات صغيرة اختفت ألوانها مع مرور الزمن. وفي زاوية صغيرة من مدخل المنزل، تتكدس بعض قوارير الماء الفارغة التي تستخدمها عائلة علي لسد حاجتها اليومية من الماء، بينما شكلت باحة صغيرة داخلية مطبخاً وُضع فيه انبوب الغاز وطباخ صغير، علت سطحه كتل من الدهون والاوساخ. تقول والدة علي: «الصغير يتمرد كثيراً على الواقع الذي نعيشه، ويطالبني بسرير جميل، مثل السرير الذي رآه في بيت خالته سهام، عندما رافقني لزيارتها قبل أيام. وهو لا يقتنع بتبريراتنا، انا ووالده، بضيق المكان. ويطالبني بالذهاب إلى بيت الخالة والعيش معها، لأن بيتها يحتوي اسرّة جميلة اقتنتها لأطفالها الثلاثة، بينما لا نملك نحن سوى فرشات مهترئة من كثرة الرطوبة». وتذكر ان الأجر الشهري لوالد علي كعامل تنظيفات، يكاد لا يكفي لسد الحاجات اليومية من الطعام، وهي مجبرة على إرسال اولادها الثلاثة محمد (7 سنوات) وقاسم (8 سنوات) ورضا(10 سنوات) الى العمل في بيع اكياس البلاستيك، في سوق الحي القريب من المنزل بعد خروجهم من المدرسة. وعائلة علي واحدة من مليوني ونصف المليون شخص يعيشون ظروفاً مشابهة في مدينة الصدر التي تُعتبر من اكثر مناطق بغداد اكتظاظاً. أنشئت في ستينات القرن العشرين وسكنها الفلاحون النازحون من جنوب العراق بسبب الفقر، مثلما سكنتها بعض العائلات القادمة من اطراف بغداد. فالأهالي الذين وفدوا من قرى العمارة والناصرية في الجنوب العراقي الفقير، باتوا مصدر جذب لأقاربهم الذين لحقوا بهم، بعدما سمعوا عن الوضع الذي تتمتع به المدينة قياساً الى قراهم المعدمة. وفي منزل آخر تعيش عائلتان، الأولى عائلة امجد الذي توفي في مواجهات مسلحة وترك وراءه زوجته وستة أطفال أكبرهم في الرابعة عشرة من عمره، والثانية عائلة ياسين التي أنجبت 11 طفلاً وتتخذ من باب الدار منفذاً للتسامر مع الجيران والمارة. ولا يغادر ياسين المدينة بسبب إعاقة في ساقه اليسرى. أما الاطفال العاملون في المدينة، فينتشرون في شكل مجموعات في اسواق المدينة لبيع أكياس البلاستيك، والبحث عن علب المشروبات الفارغة بين القمامة، او يعملون في شكل فردي في بعض المحال. ويقول أحدهم، وهو جعفر (8 سنوات)، انه ترك المدرسة في السنة الأولى بعد إصابة والده بمرض السرطان، وعمل مع ابن خاله حسن في بيع الأكياس. ويضيف جعفر: «اعود إلى البيت بعد صلاة المغرب، حاملاً معي حوالى 10 آلاف دينار (8 دولارات) يومياً، اعطيها لوالدتي لتتدبر امر معيشتنا انا واخوتي الستة». ويعترف جعفر بصعوبة العمل في السوق، بسبب كثرة الأطفال العاملين، وحدوث شجارات بينهم، ويقول: «الأطفال الذين ليس لديهم اقارب في السوق، يتعرضون للضرب والاعتداء من قبل أقرانهم». وتشير الاحصاءات الرسمية للمجلس البلدي في مدينة الصدر، إلى أن عدد سكان المدينة حالياً يبلغ مليونين و500 ألف شخص، ثلثاهم من الأطفال، طبقاً لنظام البطاقة التموينية المتبع في العراق، حيث تضاعف عدد السكان في شكل كبير خلال الأعوام الماضية، بسبب ارتفاع نسبة الإنجاب، مترافقاً مع انتشار الأمية والفقر، ما تسبب في أزمة كبيرة في السكن، إذ ان آلاف العائلات الكبيرة، التي يتراوح عدد أفراد كل منها بين 15 و35 شخصاً، تعيش في منازل مساحتها 150 متراً.