خرج آلاف السكان من آخر جيب تحت سيطرة الفصائل المعارضة في مدينة حلب، ما شكل بارقة أمل للمدنيين الذين ما زالوا محاصرين، وكان بينهم عشرات الأطفال الأيتام الذين نقلوا من شرق حلب إلى ريفها الغربي، وقال متطوعون إن حالة المهجرين مريعة بسبب الحصار الذي تعرضوا له وبقائهم في العراء لأيام. ويأتي استئناف عمليات الإجلاء بموجب اتفاق تم التوصل إليه اأساساً بين روسيا الداعمة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد وتركيا، أبرز داعمي المعارضة، قبل أن تدخل إيران على خط المفاوضات. وقالت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنجي صدقي لوكالة فرانس برس إن نحو خمسة آلاف شخص على متن 75 حافلة خرجوا من حلب باتجاه ريف حلب الغربي. وكان حوالى 350 شخصاً توجهوا مساء الأحد نحو خان العسل التي تسيطر عليها المعارضة في غرب حلب. وأوضحت صدقي: «سنواصل العمليات طيلة اليوم ومهما تطلب من وقت، لإجلاء الآلاف الذين لا يزالون ينتظرون إخراجهم». وتشكل هذه الدفعة الأولى بعد تعليق عمليات الإجلاء الجمعة بسبب الخلاف حول عدد الأشخاص الذين سيتم إجلاؤهم من بلدتي الفوعة وكفريا المواليتين والمحاصرتين في إدلب (شمال غرب). وتمكن 500 شخص الاثنين من مغادرة البلدتين وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان». ووصف أحمد الدبيس رئيس وحدة الأطباء والمتطوعين الذين ينسقون عملية الأجلاء، الحالة المريعة للسكان الذين وصلوا إلى غرب حلب بعدما أمضوا ليلتهم في الحافلات. وقال: «كانوا في وضع سيء جداً بسبب انتظارهم أكثر من 16 ساعة»، مضيفاً: «لا طعام ولا شراب. الأطفال أصابتهم لسعة البرد، ولم يتمكنوا حتى من الذهاب إلى المراحيض». ولفت إلى أن حوالى ثلاثة آلاف شخص كانوا قد وصلوا صباح الاثنين، عبر موكبين يتألف كل منهما من عشرين حافلة. وشاهد عشرات العائلات تنزل من حافلات عند الفجر وتتجمع جالسة ارضاً فيما كان عمال الإغاثة يوزعون مياه الشرب والتفاح على الأطفال. وبين الأطفال الذين تم إجلاؤهم ايضاً الطفلة بانة العابد (سبع سنوات) التي اصبحت نجمة على مواقع التواصل الاجتماعي بعدما وثقت بتغريداتها يوميات الحرب في ظل الحصار. وقالت مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية العاملة في سورية، انه من المرجح نقل بانا الى مخيم للنازحين في محافظة ادلب (شمال غرب). وقالت منظمة الأممالمتحدة للطفولة (يونيسيف) إن قرابة 50 طفلاً كانوا محاصرين في دار للأيتام شرق حلب تم إجلاؤهم الاثنين مشيرة إلى أن بعضهم يعاني من إصابات خطيرة ومن الجفاف. وقالت كريستا أرمسترونج المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن الهلال الأحمر العربي السوري واللجنة الدولية أجلوا الأيتام من شرق حلب ومعهم موظفون من المنشأة كانوا يعتنون بهم. وأضافت «كانت لهم الأولوية وهم أول من نقلوا بالحافلات عندما استؤنفت العملية» موضحة أنها لا تستطيع تحديد عددهم في الوقت الراهن. كان جيرت كابيلير المدير الإقليمي ليونيسيف، قال في بيان في وقت سابق «تم صباح اليوم (امس) إجلاء 47 طفلاً كانوا محاصرين في دار للأيتام بشرق حلب وبعضهم في حالة حرجة نتيجة الإصابات والجفاف». وأضاف أن المنظمة ووكالات أخرى تساعد أيضاً لإعادة أطفال آخرين تم إجلاؤهم في الأيام القليلة المنصرمة إلى عائلاتهم وتقديم الرعاية الطبية والملابس الشتوية لهم. ووصفت كايزي هاريتي من منظمة «ميرسي كور» غير الحكومية التي تستقبل المدنيين الذين تم إجلاؤهم في مركزين تابعين لها الحالة المريعة التي يعيشونها. وتقول: «الأشخاص الذين نستقبلهم عاشوا جحيماً، ومن المستحيل وصف او فهم مستوى الصدمة التي اختبروها». وسيطرت قوات النظام السوري اثر هجوم بدأته منتصف الشهر الماضي على معظم الأحياء الشرقية في حلب، التي كانت تحت سيطرة الفصائل المقاتلة منذ 2012 ومحاصرة في شكل محكم منذ تموز (يوليو) الماضي. وتمكن 8500 شخص الخميس من الخروج من الأحياء الشرقية في حلب وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان». وعلى رغم تحرك الحافلات الأحد لإجلاء المدنيين المحاصرين من حلب في شكل متزامن مع الفوعة وكفريا، إلا أنه تم تعليقها لساعات اثر اعتداء مسلحين على حوالى عشرين حافلة كانت تستعد لدخول البلدتين، ما أدى الى مقتل سائق، وفق ما افاد «المرصد السوري». وأدى هذا الاعتداء الى ارجاء استئناف عمليات الإجلاء قبل متابعتها صباح الاثنين مع تحرك عشر حافلات من الفوعة وكفريا. ويتضمن اتفاق الإجلاء وفق ما ابلغ قيادي معارض فرانس برس الأحد، اجلاء 1500 شخص من مدينتي الزبداني ومضايا المحاصرتين من قوات النظام في ريف دمشق من دون ان تتم اي خطوات عملية. وعند انتهاء عمليات الإجلاء من حلب، يفترض ان يعلن النظام السوري استعادة المدينة بالكامل محققاً بذلك أكبر نصر له منذ بدء النزاع السوري في 2011 الذي اوقع اكثر من 310 آلاف قتيل. استياء في ريف دمشق وقال «المرصد» ان «استياء ساد مضايا المحاصرة من قوات النظام وحزب الله اللبناني في ريف مدينة دمشق، على خلفية التحضيرات الجارية لإخراج 1500 شخص من المدينة نحو مناطق أخرى، ومن ضمنهم حالات مرضية ومصابون بحاجة لتلقي العلاج». وأضاف: «ان حركة أحرار الشام الإسلامية والتي تضم أكبر عدد من المقاتلين في المدينة، تسلمت زمام الأمور في عملية تسجيل أسماء الخارجين من مدينة مضايا وجرت اتصالات بين قيادة جيش الفتح في إدلب وأحرار الشام في مضايا، طلب فيها الأول من الثاني تسجيل أسماء المقاتلين في المدينة أولاً والذين يبلغ تعدادهم 600 - 650 مقاتلاً من ضمنهم أكثر من 300 من مقاتلي أحرار الشام ونحو 200 من مقاتلي جبهة فتح الشام والبقية من مقاتلي كتائب الحمزة بن عبد المطلب والمرتبطة تنظيمياً مع كتائب تحمل الاسم ذاته في مدينة الزبداني والتي يبلغ تعدادها في الزبداني وحدها نحو 150 مقاتلاً ومن المقرر أن تكون من ضمن ال 1500 شخص المقرر إخراجهم، ومن ثم طُلِب من الحركة، تسجيل أسماء الكوادر الطبية والنشطاء المتواجدين في المدينة، كما جرى تسجيل نحو 25 حالة مرضية». وتابع «المرصد»: «هذا الأمر أثار استياء كبيراً لدى الأهالي، الذين يعتبرون أن عملية الخروج هذه قد تكون الأخيرة، وأنه تناهى إلى مسامعهم أن عملية إخراج المقاتلين من مدينة مضايا، قد تكون لفرض «مصالحة وتسوية أوضاع» على من تبقى من المدنيين في المدينة، في الوقت الذي يوجد متخلفون عن خدمة التجنيد الإجباري، ومطلوبون ومواطنون لا يرغبون في البقاء في مدينتهم أو «تسوية أوضاعهم ومصالحة النظام»، كما يعتبرها قاطنو المدينة عبارة عن «اتفاق إقليمي من تحت الطاولة، على ترك مضايا لمصيرها مقابل تسهيلات لاحقة في كفريا والفوعة من فصائل في جيش الفتح».