على رغم ان المسافة الفاصلة بين منطقة تبوك (شمال غرب المملكة)، وبقيق (شرق)، تُقدر بنحو 1800 كيلومتر. إلا ان كثيراً من المعلمات العاملات في مدارس الأخيرة يشعرن ب«رابط قوي» يجمعهن مع زميلاتهن في تبوك، اللاتي توفيت اثنتان منهن (إحداهن حامل في شهرها السادس، ولديها طفل آخر عمره سنتان)، فيما أصيبت ثلاث أخريات، في حادثة مرورية في الأسبوع الأول من العام الدراسي الجاري.فشبح الموت يخيّم عليهن، وهن يقطعن مئات الكيلومترات يومياً، بين بيوتهن ومدارسهن، ليقفن على رأس «طابور الصباح» في السادسة والنصف صباحاً. فيما تفرض عليهن طبيعة الحياة وصعوبة المواصلات، «معاناة لا تُطاق». فبعضهن يخرجن من منازلهن فجراً «مولودات»، ليتحولن إلى «مفقودات» حتى عودتهن عصراً. ويودعن أطفالهن وذويهن، ويتردد في داخل نفوسهن سؤال: «هل سأراكم مرة أخرى؟». وحين الرجوع عصراً يستقبلهن أطفالهن حامدين الله على رجوعهن للمنزل ثانية. تعينت هالة محمد، معلمة في إحدى مدارس الدوادمي في العام 1419ه، وعملت هناك أربع سنوات متواصلة، ثم نقلت إلى بقيق، ومنذ ذلك الحين تنتظر قرار نقلها إلى مدرسة في مدينتها (القطيف). وتقول: «في كل مرة أسمع عن وقوع حادثة لمعلمات، في أي منطقة سعودية، أشعر بالأسى والحزن ممزوجاً بالخوف عند ركوب السيارة التي ستقلني ذهاباً إلى مقر العمل، وإياباً إلى منزلي. وطوال الطريق تكون أعصابي مشدودة، لخوفي من وقوع حادثة، وأردد «الله يستر علينا من المشاوير». وتعرضت هالة، خلال السنوات الماضية، إلى عدد من الحوادث، خلال رحلاتها على طريق بقيق الدمام، و«خرجنا منها سالمات». كما تشير إلى صعوبات ناجمة عن «سوء الأحوال الجوية، أثناء هطول الأمطار وحدوث الضباب». وتخاطب المسؤولين في وزارة التربية والتعليم: «أرواحنا أمانة في أعناقكم». ومنذ ثماني سنوات، تعيش المعلمة رقية عبدالله، في «التشتت والغربة»، فبعد خمس سنوات أمضتها في الدوادمي، كانت تتنقل خلالها ذهاباً وإياباً، عبر الحافلة، لمدة ثمان إلى تسع ساعات، في كل أسبوع، نُقلت منذ ثلاث سنوات إلى المنطقة الشرقية، وتحديداً إلى بقيق. وتقول: «ما زلنا نواجه مخاطر الطريق يومياً». ولكثرة ما رأت نوال عايد، من حوادث خلال تنقلاتها، تقول: ««في كل مرة أقرأ عن حادثة تعرضت لها معلمات، ينتابني شعور بأنني كنت معهن في السيارة»، مؤكدة ضرورة «مراعاة ظروف المعلمات المغتربات، لما يواجهنه من مشكلات في الطريق، حيث زحام السيارات، وتعطلها، والظروف الجوية، ما يصعب علينا الوصول للمدرسة في الوقت المحدد. وأحياناً يضطر السائق إلى السرعة، وتغيير المسار، وذلك لاختصار الوقت والابتعاد عن الزحام»، مضيفة «تعرضنا إلى حادثة حين أراد السائق اختصار الطريق، وغيّر مساره المعتاد، وكان الطريق ضيقاً، وأصبنا بإصابات مختلفة، ونقلنا إلى مستشفى العيون، لكن نجونا منها». غربة تؤدي إلى غربة في انتظار الموت ومن «غربة» إلى أخرى، أمضت زميلتها زينب السنوات الثماني الماضية، إذ أمضت ست سنوات في هجرة بعيدة عن مدينة نجران (جنوب المملكة)، لتنقل بعدها إلى بقيق، في انتظار الانتقال إلى القطيف. وتقر بأنها «متعبة نفسياً، وأفكر كثيراً، ولا أنام الليل، وأتوقع أن يحل غداً دوري في مسلسل حوادث المعلمات»، مضيفة «كنا نفاجئ في نجران، بتوقف السيارة فجأة، بسبب مرور الجمال، وأحياناً لسوء الأحوال الجوية أو لأعطال في السيارة. وهذا يوتر أعصابنا». ولا يبدو حال خلود أحمد، أفضل من زينب، فخدمتها في التعليم، توزعت بين حائل (سنتان) وبقيق (أربع سنوات)، وهي تنتظر النقل إلى الأحساء (مسقط رأسها)، التي تأتي منها يومياً بواسطة حافلة صغيرة. وتقول: «يسكنني التعبين الجسدي والنفسي، لكثرة الجلوس على الكراسي المتعبة، في انتظار الموت في حادثة. ففي كل يوم أتخيل الموت يحوم حولي. وعندما أطالب بالنقل أتلقى رداً غير منطقي «أمامك عدد كبير له أولوية في النقل». وتشعر خلود بالحزن، بسبب «ترسيم معلمات بندي الأجور ومحو الأمية في مكاننا. وهذا يعني صعوبة كبيرة جداً في النقل». وتسأل: «لماذا أنا من الأحساء وأعمل في بقيق، ومعلمة من القطيف تعمل في الأحساء؟». وتقترح ان «تسمح الوزارة بإجراء عملية التبادل بين المناطق، من دون الرجوع إلى الرياض، كي نقلل من عدد المعلمات المنقولات»، مضيفة «في السابق، كان يوجد نقلان داخلي وخارجي، ومنذ سنوات عدة أصبح النقل من قرية إلى أخرى يعتبر نقلاً خارجياً، ما أدى إلى زيادة العدد في النقل الخارجي، حتى المديرات ومعلمات الروضة التحقن بحركة النقل الخارجي». كما تطالب الوزارة بتوفير «مواصلات خاصة بالمدرسات وبأسعار مناسبة، وان تعمم على المدارس، بمعاملة المعلمات القادمات من خارج القرى والمدن التي يعملن فيها، بصورة استثنائية في وقت الحضور صباحاً، وبخاصة أثناء سوء الأحوال الجوية، والخروج قبل الحصة الأخيرة». وتعمل فاطمة أحمد، معلمة في مدرسة ابتدائية في بقيق، لكنها تعينت قبل ثماني سنوات في حفر الباطن، وهي من سكان القطيف. وتقول: «تفتح الحوادث التي تتعرض لها المعلمات، جروحاً في نفسي، وخوفاً من الماضي والحاضر، لخشيتي من مفارقة أطفالي وزوجي. فأنا أخرج من المنزل قبل طلوع الشمس، في الرابعة والنصف. وأعود بعد الثانية والنصف عصراً. وفي كل يوم أترقب الموت على أسفلت الطريق، لما يصادفنا من حوادث نجونا منها، ولكن لا نعلم ما سيحدث في المرة المقبلة». وتصف ما في داخلها ب«الغضب والحزن والألم، من جراء ما يحدث لي ولغيري من المعلمات»، مضيفة «عانيت الكثير خلال سنوات خدمتي، من الغربة والابتعاد عن الأبناء، وافتقاد الأمان». وتطالب وزارة التربية ب«حلول سريعة لما نعانيه، بدل الوقوف مكتوفة اليدين، وترديد أسطوانة «اكتفاء المدارس». والواقع ان هناك نقصاً في المعلمات، بدليل ان نصابي وكثيراً من المعلمات 24 حصة».