لم يعد غريباً في السعودية أن يتخلى شاب عن وظيفته التي يتقاضى منها نحو ثمانية آلاف ريال اي ما يعادل 2500 دولار من أجل تفرغه كلياً لهوايته المفضلة. السعوديون مهووسون بالشعر خصوصاً النبطي، كونه يرتبط بماضي أجدادهم، ويسرد تاريخ عائلاتهم، ويحمل كثيراً من القصص التي تدل على الكرم والشهامة التي تميز سكان الجزيرة العربية. في السنوات الأخيرة أصبح الشعر حديث الشبان في المملكة، ولا تخلو جلساتهم في الاستراحات والمقاهي من القصائد النبطية بشتى أنواعها، ومناقشة مشاكل الشعراء المشهورين في الساحة الشعبية. ولعل البرنامج الشهير «شاعر المليون» الذي يعرض على قناة أبوظبي حقق طموحات الكثيرين من الشعراء الخليجيين، خصوصاً السعوديين منهم، إذ توافدوا بالآلاف على لجنة البرنامج في الرياضوجدة، للمشاركة فيه، فأصبح أمنية كل شاب سعودي، كونه يمنح جوائز تصل إلى خمسة ملايين درهم للفائز بالمركز الأول. منذ انطلاقة البرنامج قبل أربعة أعوام اتجه الشباب في المملكة إلى كتابة الشعر والتعود على النقد من قبل أصدقائهم، تمهيداً لطرق أبواب البرنامج الإماراتي، بيد أن عدداً منهم توقفت أحلامهم، بعدما رفضت مراجعهم الوظيفية مشاركتهم، ما اضطرهم إلى الاستقالة من أعمالهم، لأن البرنامج من وجهة نظرهم طموح أكبر من الوظيفة. يقول الشاب عبدالله البدر: «الشعر في الوقت الحالي أمنية كل شاب سعودي، لأنه مصدر رزق يتكسب منه الشعراء، إذ يتقاضى الواحد منهم عن أمسية شعرية نحو خمسة آلاف ريال، وترتفع بحسب اسمه وشهرته»، مشيراً إلى حصول مزادات على حضور شاعر بعينه في حفلة زواج، أو تخرج، أو شفاء من مرض ما. ويضيف: «أحس بالحرج عندما أجلس مع مجموعة من أصدقائي، لأنني لست شاعراً أشاركهم الحديث في الشعر، وإلقاء القصائد النبطية»، لافتاً إلى أن الجلسات الشبابية في الفترة الأخيرة أصبحت تتحدث عن المسابقات الشعرية، والمشاركات فيها. شغف السعوديين بالشعر لم يتوقف عند الجلسات والمناسبات، بل امتد الأمر إلى أن أنشأ رجال أعمال قنوات فضائية عدة، لا برامج لها غير الشعر، واستضافة الشعراء، وطرح مسابقات يتكسب منها القائمون على تلك الفضائيات. كل تلك القنوات الشعبية سهلت من ظهور الشعراء على الإعلام، إذ لا يتطلب الأمر على الشباب، إلا التوجه إلى مقر القناة، وإلقاء قصائد عدة ومن ثم عرضها على الفضاء. ويرى الشاب تركي العادي أن «نحو 60 في المئة من الشعب السعودي شعراء، إذ لا يخلو منزل في المملكة من شاعر، لدرجة أن الجميع يردد أبياتاً شعرية، من كتاباته، أو لغيره». ويقول تركي: «يكفي أن المناسبات الرسمية التي يكون الشعر حاضراً فيها تحشد جمهور كبيراً، بعكس التي تخلو منه». ولفت تركي الى أن شعر المدح يكسب منه الشعراء مبالغ مالية طائلة، قد لا يحصل عليها رجل أمن في شهر واحد دوامه ثماني ساعات عمل يومياً، مشيراً إلى أنه حاول كتابة القصائد لكنه عجز عن ذلك، «لأن الشعر موهبة، قد لا تظهر لدى أي شخص» . ويوضح الشاعر فهد قطنان أن الشعر لسان العرب، وعرفت به منذ عصور الجاهلية، خصوصاً أنه موروث الآباء والأجداد، ولا يستطيع أن يوقفه أحد في الوقت الحالي، لافتاً إلى أن عدداً كبيراً من الشعراء تفرغوا للشعر وكتابته، حتى يحققوا شهرة أكبر، ويتواجدوا في الأمسيات الشعرية الرسمية والخاصة. ويضيف: « في الوقت الحالي تنهال الدعوات على الشعراء، لأن كل المناسبات والاحتفالات يحضر فيها الشعر، بيد أن المشكلة أن بعض أصحاب تلك المناسبات لا يميزون الشاعر المبدع من غيره».