كان قدر قرية «العيص» ألا يعرف السعوديون إحداثياتها الجغرافية، حتى تدخل ببيوتها المتقادمة والبسيطة في مواجهة مع الطبيعة، وتضربها الهزات الزلزالية وتظهر على ملامحها بوادر بركان، لتصبح مثار اهتمامهم وحديث مجالسهم وموضوع منتدياتهم الإلكترونية ونقاشاتها الجدلية، في موضوع يحمل من المفارقات الساخرة ما يستدعي استذكار قول الشاعر -بتصرف-: «وكم ذا ب «العيص» من مضحكات .. لكنه ضحك كالبكاء». أولى المفارقات، كانت في استضافة العاصمة الرياض، للمؤتمر الإعلامي الدولي «مستقبل النشر الصحفي»، بكل أوراق العمل التي تحدثت عن «المستقبل»، وغابت عناوينها عن طرق أبواب تحديات الحاضر. تحدث الجميع عن الإعداد ل«المستقبل»، وبناء كفاءات «المستقبل»، والفرص «الجديدة»، و»مستقبل» النشر الصحفي، و«مراقبة» وسائل الإعلام، لكن أحدا لم يتحدث عن بناء وتفعيل أخلاقيات المهنة وإيجاد الرقيب الداخلي المحكوم بضمير المصداقية والموضوعية، في حاضر ومستقبل عوالم «الإعلام الجديد»، والحدث حاضر في «العيص» كحالة دراسة مجانية واقعية، لا تتطلب سوى فتح زيارة المنتديات الالكترونية، ومتابعة الصحف الإلكترونية، ومشاهدة البرامج التلفزيونية، والتي بدلا من أن تضع الحدث في خانته الصحيحة تعريفاً وتوضيحاً وإرشاداً، نقلته إلى خانة المبالغة والتهويل وبث الإشاعات والانتقاد لا لشيء سوى «الانتقاد»، وبناء قواعد شعبية بالعزف على وتر العاطفة. وفي العيص، بدا الحدث شأناً خاصاً بإمارات المناطق ووحدات الدفاع المدني والهلال الأحمر وهيئة المساحة الجيولوجية وأهالي العيص فقط، في الوقت الذي ما زال الصغير «فارس»، والذي يدرس في الصف الأول الابتدائي، يرسم في مخيلته صوره الخاصة عن البراكين والزلازل، في غياب لدور قاعات التعليم وتفاعلها الإيجابي مع الحدث، ولا يتعلق الأمر ب«فارس»، فحتى طلاب الجامعات وخريجوها لا زالوا أسرى خيالات الطفل الصغير وإشاعات الإعلام اللامسؤول، وتجمد الدور التنويري للتعليم. وفي المفارقات، اتفقت «العيص» السعودية و«لوس انجلوس» الأميركية في نفس اليوم على ذات الرقم «4.7» في قراءة مقياس ريختر، و»طوكيو» اليابانية على الدوام، ولكن اختلف التفاعل، فالأميركيون يتعايشون مع الأمر كحدث يجيء ثم يروح وتنتشر الفرق التطوعية الجاهزة للتعامل مع الحدث بالموازاة مع الأجهزة الرسمية، واليابانيون يغيرون كود البناء ومرونة المباني حتى تستمر حياتهم وينهض اقتصادهم، ويبقى السعوديون مشدوهين في متابعة الحدث الأول بانتظار تصريح مصدر مسؤول وفتوى مؤدلجة ترمي أهالي القرية البسيطة بالخطايا والآثام. في علاقة «الإنسان-الطبيعة»، تتحكم قاعدة «الإنسان عدو ما يجهل» بتفاصيل المشهد، وتتحول سلبية العداوة إلى إيجابية التفاعل بمقدار المعرفة والعلم، وهذا ما يجب أن يعيه السعوديون في إعلامهم وتعليمهم، قبل أن يدرسهم الشرق والغرب في كتب «الانثروبيولوجيا» وتحليلات الأساطير الشعبية.