تبحث الدكتورة ميسون الدخيل عن نفسها الحقيقية بين مكنونات الكتب وصفحات الروايات، وتنشد عالماً أكاديمياً مختلفاً لبناء إنسانية الإنسان بين أكوام البيادر، بلغة معطاءة تحيط بالرجل الشرقي الثائر والباحث عن النحلة المختلفة عن الشهد، مدللة على المشاعر التي تصلها من زوجها. التقتها «الحياة» في حوار عن الثورة الدائمة عند الرجل الشرقي الباحث عن عشقه تحت مظلة الحياة الزوجية، وسرعان ما تنتهي هذه الحياة تحت خيمة الطلاق... فإلى تفاصيل الحوار. لماذا الرجل الشرقي ثائر بطبيعته؟ وكيف نؤهله لحياة زوجية صحيحة؟ - هذا يعود للبيئة الاجتماعية التي نشأ فيها، والبيئة المدرسية التي تلقى العلم منها، والبيئة الثقافية التي يعيشها، والخبرات التي مرّ بها، كلها مجتمعة تختلف من رجل إلى آخر، وبالتالي التأثيرات تختلف من شخص إلى آخر، منها بيولوجية وبعضها الآخر بيئية ومنها نفسية، فإذا كانت طفولته جافة، كَبُر وحمل بين أعماقه حرماناً عاطفياً كبيراً، وقاس مواجهته مع الحياة بثقافة العيب، نظراً لطفولته المختزنة بعقله الباطني فثار عليها، لأنها حرمته احتضاناً حقيقياً من الوالدين، وتأتي الزوجة حاملة لثقافة العيب ذاتها، فيُصدم بواقع مرير، وكأن الزوجة مرهونة وحدها للعطاء، فيثور على الواقع. ألا تعتبرين أن المرأة الشرقية هي قلب كبير للحب، والإسلام أكد على المودة والرحمة؟ - هذا صحيح، ولكن كيف لامرأة تحمل في أعماقها ثقافة العيب أن تحتضن زوجها الرجل الشرقي، وتقدم له الحب والحنان، لذا يثور على الواقع، غير مبال بما تربت عليه الزوجة، منتظراً منها العطاء! وفاقد الشيء لا يعطيه. إلى أي مدى تتمحور ثقافة العيب في داخل المرأة؟ - إلى حد كبير، لأن ثقافة العيب تحدها، والخجل يمنعها من إعطاء الغذاء الروحي لزوجها، فحجبت ابتسامتها، وكبتت مشاعرها، واعتقلت كلمتها في مغاور الأسماك العتيقة، تنتظر خط المبادرة من «سي السيد»، وهو الرجل الشرقي الثائر دائماً، لا يحرك نبض المشاعر بين جدران الحياة الأسرية، لأنه لم يألفها من والديه، فأطلق العنان لشرقيته باحثاً عن فراشة غريبة تعطيه بلسم الحب بتراتيل شجية، من دون أن يدرك أن فراشته الحقيقية هي زوجته بإشارة واحدة منه تبتسم الحياة من بين الطلول. من المخطئ؟ - الاثنان معاً الزوج والزوجة، اذ يقع على عاتقهما بناء القصيدة الزوجية التي تدوم بحرارة البراكين. كيف تقرئين الثورة عند الرجل الشرقي؟ - الثورة أتت نتيجة للحرمان الروحي والعاطفي، يريد خط المبادرة من زوجته، ويمارس لغة الصمت المقيت، ولغة الغياب عن الواقع، لترتفع بذلك نسبة الطلاق في السعودية. من المسؤول؟ - المجتمع بأكمله مسؤول عن ثقافة العيب أولا وأخيراً، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام علمنا الحب الروحي وقال: «لا حياء في الدين»، من أجل بناء القصيدة التي ترتكز على محاور أساسية في الحياة الزوجية، واعمار الأرض على أساس متين في البناء الأسري. كيف نبني الأسر المسلمة السليمة في هذا العصر، كما بناها رسولنا الكريم صلوات الله عليه؟ - الثقافة الأسرية المبنية على الحب والمحبة والرحمة لها ثقلها في القرآن الكريم وبأكثر من موضع، أصبحت للأسف الحاضر الغائب في ثقافتنا الأسرية، وفي مناهجنا المدرسية، ننكرها على الأزواج الأزواج لنرويهم منها، فيضرب الفاس بالرأس، وتنهار الأسرة بالطلاق أبغض الحلال. هل تغيّر المفهوم الأسري مع ثورة العصر؟ - بالتأكيد تغيّر بعدما ألقت الثورة التقنية بظلالها الكئيبة على الأسر السعودية بأكملها، إضافة إلى تعليم المرأة التي منحها الشخصية الاستقلالية، وحق الفيتو في التعبير عن الرأي، ما جعلها في مواجهة مع الرجل الشرقي فكرياً وعقلياً، ووضعها في خط مواز له في الأسرة، وهذا ما يرفضه بعض الرجال السعوديين معتبرين أنهم العقل المفكر والفكر المدبر متناسين أن أم سلمة رضي الله عنها أبدت رأياً سياسياً صائباً في صلح الحديبية وأخذ رسول الله عليه الصلاة والسلام به. أين تصنفين نفسك مرتبةً في القراءة؟ - مدمنة قراءة فإن لم أجد ما أقرأه في السيارة أفتح ورقة الدواء لأقرأها، فالقراءة كل حياتي وليست جزءاً منها، كونها الغذاء الفكري والروحي لعقلي والراحة لجسدي، ومن دون القراءة لست موجودة. من وراء هذا الإدمان الثقافي؟ - والدي هذب نفوسنا على القراءة وحب المطالعة، وغرسها كشتلة لها عبق الياسمين والريحان، لتنمق حياتنا الأسرية بمفرداتها، وتحيك طوق الياسمين من أبجدياتها. آخر كتاب قرأتيه وترك أثراً في نفسك؟ - (تاريخ سورية القديم) قبل الميلاد أي تاريخ سورية السرياني الذي خرج منه العالم بأسره، للدكتور أحمد داود. كيف توظفين قراءاتك لطرق تدريس الطالبات في الكلية؟ - مسؤوليتي كتربوية لا تقتصر فقط على المادة الأكاديمية بل تتعداها إلى تدريس الطالبات حياتهن ومجتمعهن وحقوقهن، وكيفية تحديهن لقدراتهن العقلية لتحقيق أهدافهن العلمية والعملية، وتوصيلهن إلى نقطة مهمة واستشكال أهم - ماذا بعد - في جعبتي لهن من علوم معرفية وثقافية بعيدة عن الموضوع ومرتبطة به بآن واحد لأحثهن على طلب المزيد المعرفي لهؤلاء الطالبات اللواتي يأتين من مختلف مناطق المملكة لإرواء عطشهن الثقافي والمعرفي.