تتمظهر اليوم قسمة اللبنانيين السياسية - العاطفية حين يعلن ظهراً من المجلس النيابي اسم العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. قسم من اللبنانيين المناصرين لعون سينزلون الى الشوارع للإعراب عن فرحتهم، بتوزيع الحلوى ونحر الخراف، وقسم آخر سيعرب عن خيبته بهذه التسوية التي يحاول المعنيون بها اقناع مناصريهم ب «بلعها»، وقسم كان فقد الأمل بإمكان إصلاح الدولة فنأى بنفسه عن كل ما يدور حوله، فالمهم بالنسبة اليه مساحة من الأمان يمكن ان يواصل العيش في ظلها. في الثانية عشرة ظهر اليوم تُعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية والتي يحضرها الى جانب النواب، السلك الديبلوماسي العربي والأجنبي وممثلو المنظمات الدولية العاملة في لبنان. وبيروت التي تتحضر أمنياً للحدث ستنسحب الى دواخلها. المدارس مقفلة وكذلك شارع المصارف المجاور للبرلمان. والطوق الأمني سيصير أطواقاً تطاول كل الطرق المؤدية الى قلب العاصمة، الى حد منع التجول فيها، ذلك أن من ضمن الاجراءات الأمنية في قلب بيروت نشر القناصة التابعين للجيش اللبناني على سطوح الابنية المحيطة بالبرلمان. ولأن الرئيس العتيد وفور انتخابه وبعد أدائه اليمين وإلقاء خطاب القسم، سيتوجه الى القصر الجمهوري، فإن الطرق التي سيسلكها موكب الرئيس المؤدية الى بعبدا لن يختلف حالها أمنياً. وكان وزير التربية والتعليم العالي أقفل بقرار منه كل المدارس والجامعات والمعاهد على الأراضي اللبنانية. من الدورة الأولى او الثانية يُنتخب الرئيس؟ تبدو الأمور متجهة لدورة أولى ووحيدة. في انتظار الساعات القليلة التي تفصل لبنان بين فراغ رئاسي وشلل مؤسساتي استمر سنتين وقرابة 6 أشهر وبين انطلاقة حياة سياسية سليمة، فإن الترتيبات السياسية غلبت تلك اللوجستية. وحبس سياسيون انفاسهم، وردد بعضهم مواقفه المتفائلة، خصوصاً أن الرئيس العتيد «صنع في لبنان». وانهمك آخرون في عملية ال «بوانتاج». وقصد مقر إقامة رئيس المجلس النيابي نبيه بري عدد من السياسيين أبرزهم: رئيس الحزب «الديموقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان الذي أشاد ببري «صاحب الحكمة في إدارة البلد والضمانة الأساسية لكل المؤسسات الدستورية وكان وسيبقى الضامن والراعي الأساسي للدولة ووحدة المؤسسات الدستورية»، والنائب عاصم قانصوه الذي لم يدل بأي تصريح. والتقى بري السفير الألماني لدى لبنان مارتن هوث الذي شكر «جهوده الحثيثة من أجل تجاوز الفراغ في سدة الرئاسة، ونقدر مبادرته في إقامة جلسات الحوار الوطني وعقد 45 جلسة برئاسته بهدف اختيار رئيس للبلاد. وهو شكل صمام أمان للحفاظ على الديموقراطية خلال الأوقات العصيبة في بلدكم. وحان الوقت للنظر الى الأمام. ومع انتخاب رئيس للجمهورية، سيكون لبنان أكثر قدرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية الملحة». باسيل: سنحول المزرعة الى وطن وكان رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل تمنى أن «يكونوا فهموا ان الرئيس الميثاقي هو الذي يولد من مكونه وطائفته بتمثيل واسع ويحصل على تأييد واسع من بقية اللبنانيين ونحن هكذا تصرفنا». وقال: «نسعى الى أن نحول المزرعة الى وطن، وهذه مهمة لا يمكننا ان نقوم بها وحدنا، بل مطلوب من كل اللبنانيين المشاركة بها»، مؤكداً ان «لبنان حر سيد مستقل، ليس فقط بتحريره بل عندما يكون على رأسه رئيس سيد حر ومستقل. وسنعبر عن فرحتنا وسنكون حضاريين ولا يوجد من خاسرين بل هناك لبنان واحد منتصر، وليس هناك من إقصاء او إلغاء لأحد، نحن نريد بناء الدولة لا تهديمها. وسنباشر العمل على قانون انتخاب يمثل كل اللبنانيين ونبني الدولة عبر محاربة الفساد. ورئاسة الجمهورية ليست الهدف إنما وسيلة بسيطة. ونحن لسنا متوجهين الى قصر بعبدا بل الى بيت الشعب». عريجي: الورقة البيضاء اعتراض وأكد وزير الثقافة ريمون عريجي عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن «التصويت بالورقة البيضاء ليس انسحاباً ولا موقفاً حيادياً. انه تعبير ديموقراطي عن موقف معترض على الخيار المطروح لرئاسة الجمهورية». وأمِلَ وزير الدولة لشؤون المجلس النيابي محمد فنيش بأن «يكون هناك اهتمام بتشكيل حكومة في شكل سريع وبأن تنصب الجهود على انجاز قانون انتخابي لأن العودة الى القانون القديم تعني إعادة انتاج مسببات الأزمات التي نمر بها»، معتبراً أن «العودة إلى الشراكة الحقيقية وتذويب العصبيات وقطع الطريق على الذين يتوسلون العصبيات الطائفية والمذهبية لا تكون إلا باعتماد قانون على أساس النسبية المدخل الوحيد لأي إصلاحات حقيقية». وشدد على أهمية معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» وهي لا تناقش من خلال المزايدات السياسية ولا من خلال بعض الذين يتوسلون المواقف السياسية من أجل منافع ومصالح خاصة». جابر: اليد الممدودة وأكد عضو كتلة «التحرير والتنمية» النيابية ياسين جابر ان «الورقة البيضاء تعبير عن حسن نية مبدئي، وعندما ينتخب الجنرال عون رئيساً، بالطبع سنهنئه، وستكون يدنا ممدودة للتعاون، ففي نهاية المطاف، عندما يكون الرئيس لكل اللبنانيين، حينها الكل يتعاونون معه». وأمل بأن «ينطلق العهد الجديد بانفتاح على الكل، وبنية التعاون مع الجميع، وبنية التركيز على مخاطبة هواجس اللبنانيين، وإيجاد حلول لكثير من المشكلات الحياتية التي يعيشونها، والعناية بالاقتصاد وفي شكل اساسي خلق جبهة متراصة من اللبنانيين في وحدة وطنية قوية، وأيضاً مجابهة أخطار الإرهاب، والقدرة على إيجاد حلول لمواضيع مهمة كالنزوح وغيرها». رعد: ما انجزناه صار مكتسباً ورأى رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية محمد رعد ان «الأمان الذي ينعم به الوطن هو بفضل المقاومة وما تفعله»، معتبراً «أن حزب الله في ضوء اختياراته الاستراتيجية، يختار شخصية الرئيس وطبيعة التحالفات وكذلك المواقف التي يطلقها بين فترة وأخرى تبعاً لتطور الظروف». وكان رعد لفت الى أن «قبول الطرف الآخر وصول من دعمنا ترشيحه منذ بداية الأزمة إلى سدة الرئاسة بعد أن كان رافضاً أن يوصله إليها إنما هو من باب أن يصل متأخراً خير من ألا يصل». وقال: «اليوم نكاد نتقدم خطوة على المستوى الداخلي، ولكننا نمضي فيها حذرين، لأننا نشعر بأن هناك تداخلاً في الساحة للكثير من السياسات، وبالتالي لا تغرنا مسكنة تصدر على لسان مسؤول هنا أو طموحات ونزاهة يعرضها مسؤول هناك، بل ما يعنينا هو دراسة الواقع والمعطيات الدقيقة التي بين أيدينا». وشدد على أن «التفاهم الكامل والقائم بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والرئيس بري، وبين حزب الله وحركة أمل تجاه طريقة التعاطي مع هذا الاستحقاق، هو بهدف الوصول إلى حفظ المكاسب لشعبنا المقاوم وعدم المس بما أنجزه وما أصبح حقاً مكتسباً له، وبإبقاء الطريق مفتوحة أمام المقاومة وخيارها في هذا البلد، وبالتالي هناك أمور نتفهمها ونتبادل المواقف كل على طريقته من أجل أن نحقق الأهداف التي تصلح لوطننا وشعبنا، ونتباين في هذا الطريق الفرعي لنلتقي في الساحات العامة التي تحقق أحلام وتطلعات شعبنا، وتدفع به إلى مزيد من الاستقرار وتحقيق الانجازات». وأكد عضو كتلة «التحرير والتنمية» النيابية أيوب حميد «اننا وإخوتنا في حزب الله يد واحدة وفريق واحد، وإن كنا نتباين في موقف ما». ولفت الى «أن لبنان بنظامه السياسي الحاضر والقائم لا يمكن أن يعود إلى الوراء، بل يجب أن يتطور للأفضل وليس إلى صيغة أسوأ». كنعان: عون يطمح الى الحيادية واعتبر أمين سر «تكتل التغيير والاصلاح» النيابي ابراهيم كنعان أن «عوامل عدة ساهمت في ما حصل وأبرزها التفاهم مع حزب الله وكتلة المستقبل واتفاق معراب. والمطلوب من القوى الخارجية مباركة الاتفاق الذي حصل بين اللبنانيين للمرة الأولى منذ عقود، فالعماد عون أول رئيس لبناني مئة في المئة». وطمأن الى «أن لا منافس لعون في جلسة الانتخاب اليوم بعد دعوة النائب سليمان فرنجية داعميه الى التصويت بورقة بيضاء، وهذه الخطوة هي تسجيل موقف يشبه الانسحاب». وأكد «أن الرئيس المنتخب يطمح الى علاقات جيدة مع الجميع على قاعدة الحيادية وعدم التدخل في شؤون دول المنطقة وصراعاتها، كما أنه يسعى الى إيجاد قواسم مشتركة للاختلافات الموجودة بين الأطراف والكتل السياسية في الكثير من الملفات، معتبراً أن مهمة عون ستكون صعبة ودقيقة». وإذ اعتبر «أن من حق الرئيس نبيه بري التصويت لمن يريد»، قال إن الرئيس سيبدأ فور انتخابه المشاورات النيابية لتكليف رئيس حكومة لتبدأ مشاورات التأليف بعدها مباشرة، ومجلس الوزراء هو المكان الصالح لوضع وتطبيق الرؤى المستقبلية. ومقومات الوصول الى قانون انتخابات موجودة اذا توافرت الإرادة السياسية لأن لا يجوز، بعد كل هذا الانتظار، أن نفشل في هذا الاستحقاق المفصلي». ولفت عضو التكتل غسان مخيبر الى أن وصول عون الى سدة رئاسة الجمهورية سيعيد ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة وسيؤدي الى مصالحة بين المواطنين والمؤسسات الرسمية. واليوم لا ثقة بالقيادات السياسية، والتحدي الكبير بالعهد الجديد سيكون بإجراء الانتخابات النيابية على أساس قانون جديد». ورأى «أن غياب الموازنة العامة مقصود، ولا توجد دولة في العالم تسير من دون موازنة».