الاثنين 13/9/2010: الى الواقعية عشر سنوات على الألفية الثالثة تكرست خلالها نهاية التجمعات الأيديولوجية ذات التأثير الطاغي على الأدب سلباً وإيجاباً. الأدب الذي تفلّت من أسره عاد الى كلاسيكيات بأساليب حديثة واعتنى بفضاءات الذات وبالمحل الجغرافي الحاضن لهذه الذات. هذا ما يحصل عموماً، لكننا في العالم العربي لم نؤسس أدباً يعبّر عن حالنا ونبني عليه، أدباً واقعياً، بل طبيعياً، مع استثناء السرد الروائي المصري وفي مقدمه أعمال نجيب محفوظ. وها نحن نترك الأيديولوجيا ذاهبين الى لا محلّ والى لا مجال. لسنا في هدأة القادر على تناول تراجيديا الإقامة الإنسانية، ولم نشكل أساطيرنا الحديثة لتحل محل الأيديولوجيا الغاربة. لا مكان الآن سوى الواقع، يعتني به قلة من الروائيين العرب في هذه المرحلة، أما الأكثرون فيميلون الى الفانتازيا وتقليد أعمال أجنبية وإعادة كتابة السيرة الذاتية من زوايا متعددة. ليس لنا سوى الواقع فهيا الى الواقع نكشف مجهولاته وما أكثرها! الثلثاء 14/9/2010: كتابة الشفاء يطردك العالم فتنشغل عنه بجسدك، وحين يأتي المرض تظنه لعنة ثم تدرك أنه سلوى عزلتك. المرض الذي يدفع الملل عبر مغامرة التنقل بين الألم والشفاء، بين سهاد ممضّ ونوم بأحلام سعيدة. تلهو السيدة بمرضها وينشغل السيد بالكتابة، يعتبرها مرضه، حين تتخشب الكلمات ثم حين تنبت منها فروع خضراء وتزهر، تتعب اليد من كتابة عوالم ساحرة. يقول السيد إنها كتابة الشفاء مثل حلم يتحقق. يطردك العالم، عالمك، الأهل والجيران ومن يشاركونك بطاقة الهوية. ولكن، لماذا تأتي هديتك دائماً من البحر، من سفن ترمي أجمل أحمالها على الشاطئ ثم ترحل وراء الأفق. والهدايا أحياناً نساء لا يشبهن الأشجار. نساء عابرات، لشرفة بحرية وطريق معبدة بالبازلت ومقهى رصيف وموسيقى مستوردة، ورمل نركض فوقه لا يعرقلنا نبات. نساء كأنما أصابهن العقم يكتفين بحياة لمرة واحدة وبعشاق كثيرين. الأربعاء 15/9/2010: أين الهشاشة؟ لبنان فتاة يكثر عشاقها وقلبها مع فتى سافر الى مكان مجهول. هذا كلام على شرفة جبلية يخلط السياسة بالغرام بعيداً من المصالح وتوازن القوى والتنافس على ملء الفراغ. لكن النخبة اللبنانية تبدو اليوم في أسوأ حال وبلا أهداف واضحة. نخبة منتدبة على أهلها، تزداد غربة وهشاشة إذ تمعن في مراعاة الجهة التي انتدبتها. ليس الكيان اللبناني هشاً كما يظن المحبطون، الهشاشة صفة النخبة الحاكمة: بعد اتفاق الطائف تقرر استيعاب الميليشيات في أجهزة الدولة لئلا يبقى عناصرها عاطلين من العمل ويشكلون خطراً. لكن الميليشيات وصلت الى قمة الإدارة ودخلت مواقع القرار في السلطتين التنفيذية والتشريعية كما أرهبت وترهب السلطة القضائية. هكذا حرب لبنان المديدة ألحقت الهزيمة بلبنان وحده، لا بالإسرائيلي ولا بالمنظمات الفلسطينية ولا بالسوري. وأصبحت الدولة اللبنانية رهينة الجغرافيا أكثر من أي وقت مضى: إسرائيل العدو الدائم وسورية الشقيق العربي الأقرب والدائم. العدو يهدد والشقيق، مع افتراض حسن النية، يحرص على التواصل مع النخب اللبنانية كلها، ولا يبقى له سوى إدارة خلافاتها على المال والسلطة. ليس الكيان هشاً، يكفيه قوة أنه يتحمل لعنة الجغرافيا والنخب الجديدة ويبقى. الخميس 16/9/2010: عماد فؤاد لصوت عماد فؤاد في الشعر العربي خصوصية، قائمة على حشد عناصر الحياة، اليومي العابر والثابت بحجة التقديس. يحشد العناصر ويرعاها ويلعب بها ويتداخل كأنه منها وكأنها منه. آلاف العناصر لا تضيّع الشاعر أو تغيبه في ثناياها فنعجز عن رؤيته. إنه قائد القصيدة وعناصرها واللاعب الرئيس وإن وقف في أحيان كثيرة، أو أوهمنا أنه يقف، في الخلفية المحايدة. فطرية محمد الماغوط هنا، ولكن بغنائية أقل وغنى أكثر. ولا بد من الدراما في اي شعر مصري، كأن السرد يفيض من مجاله في القصة والرواية ليصل الى الشعر، وكأن القصيدة الحديثة في وادي النيل حكاية مضمرة أو هوامش عاطفية على حكاية لا تروى. ليس هذا سلبياً. إنه وصف لحال من أحوال قصيدة النثر. هنا الشاعر لا يتبع خطى شعراء يستعينون بأكداس الأشياء ليبنوا قصائدهم، بل يفضل توظيف هذه الأكداس في مجال حكائي مضمر، في دراما تشكل عصب قصيدته، وقد تعلو نبرته أحياناً لتشكل سرداً صريحاً ولكن، متوتراً وعصبياً. أحدث إصدارات عماد فؤاد مجموعته الشعرية «عشر طرق للتنكيل بجثة» أصدرتها دار الآداب في بيروت، ومنها: - كل شيء ينسحبُ الى أصله، عائداً من شيخوخة مفاجئة... كلُّ شيء يرجعُ الى الخلف... تصوروا معي مطراً يتجه الى السماء في زخات ثقيلة تدفعها الأرض الى أعلى كفّ أمي المغضّنة بالأخاديد ترجعُ، رويداً رويداً، ناعمة، بضَّة، دافئة، وخفيفة، وهي تلمُّ شعرها الذي يزداد ثقلاً ولمعاناً... النبتة في الظل تصغر وتنكمش على نفسها ململمة أوراقها العريضة لتُدخلها في الساق التي ترق ببطء حتى تبتلعها الأرضُ الترابية... - لأنه اسمي ودمي الذي ينبحُ كلما لمع النصل الذي أراقَه لأنه ابني الذي خلَّفته يلعب في الحصى، ومشيت بأثر أنامله الخمس الصغيرة تشدُّ بنطالي لأنه أمي البعيدة، لأنه ندهتُها وزفرتُها وماءٌ يقطر من وضوئها في الفجر، لأنه إخوتي الثلاثة وشقيقتاي الضعيفتان، لأنه أنَّتي وجرحي المفتوح ولكنتي الأجنبية في أذنِ أصدقائي، لأنه وجعي ورائحتي، ومِلحي الذي يجفُّ على صدغيَّ من شدة التعب، لأنه لعبتي الخشبية التي هشَّمتها صغيراً خلف بستان جارتنا، لأنه أبي الذي يبتعدُ بعينين تدمعان مخلِّفاً رائحة التبغ وصفرتَها بين أناملي المرتجفة لأنه أنا،/ أحدفُه بعيداً.../ غير نادمٍ/ ولا عاتبٍ/ ولا لائمٍ/ ولا حانق على أحد/ وأعرفُ أنَّه/ عائدٌ - لا محالة -/ إليّ. الجمعة 17/9/2010: كوفاديس تفرض السلطات الإسرائيلية شيئاً من البدائية في الصراع مع الفلسطينيين، بدءاً من إقامة المستوطنات وطرد السكان من بيوتهم وهدم البيوت. الأرض لله والقبائل تتصارع فوق هذه الأرض. شيء ما قبل نشوء الأمم والأوطان والدول. هذا هو الواقع العاري، والباقي زينة ديبلوماسية. هذا الواقع العاري: يحتل الجنود القرية، يفرغونها من سكانها، ثم يتركها الجنود ليسكنها آخرون كانوا أغراباً. ولأننا في عصر الميديا تتشبه الأرض بسكانها الجدد فلا يذكر أحد أهلها الأصليين، حتى ظلالهم تمّحي في أضواء كاشفة تحيل الليل نهاراً. قيل إن ببغاء نسيه المهجرون يتنقل بين الأشجار ويردد آخر كلامهم. وقيل إن أحد السكان الجدد وجد أسطوانة في زاوية بيت. وضعها في الفونوغراف فطلع صوت أسمهان: أسقنيها بأبي أنت وأمي. لم يسقها أحد. لم يفهموا كلمات الأغنية. الأقلوية طبقات طبقات. مع ذلك وجهت السؤال بمفعول رجعي: لماذا اختير كيرك دوغلاس وكلير بلوم بالذات ليمثلا فيلم «كوفاديس». أين كوفاديس في فلسطين؟