«خبيئة الغوري لم تُسرق»، هذا ما أعلنه وزير الثقافة المصري فاروق حسني في مؤتمر صحافي تزامن انعقاده مع بدء جلسات محاكمة رئيس قطاع الفنون التشكيلية محسن شعلان وآخرين في قضية سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» للفنان العالمي فان غوغ من متحف محمد محمود خليل في القاهرة. والمقصود ب «خبيئة الغوري» مجموعة من لوحات الخط العربي (80 لوحة) يرجع أقدمها إلى العام 1558 وأحدثها إلى العام 1916 واكتشفت العام 1992 في وكالة الغوري الأثرية في القاهرة، ثم نقلت قبل نحو عشر سنوات إلى مخازن متحف «الجزيرة» في ساحة دار الأوبرا المصرية بغرض حفظها لحين إيجاد مكان مناسب لعرضها في شكل دائم. لكن من الذي قال أصلاً إن «خبيئة الغوري» التي أنجزها خطاطون أتراك ومصريون تعرضت للسرقة؟ الإجابة :لا أحد. كل ما في الأمر هو أن «الخبر» المتعلق بتلك السرقة المزعومة نُشر في صحف ومواقع إلكترونية عدة، وسط ركام الاتهامات المتبادلة بين شعلان والوزير حسني، على خلفية سرقة «زهرة الخشخاش» في 21 آب (أغسطس) الماضي بنزعها من إطارها في وضح النهار، ومن دون أن ينتبه أحد لتعطل كاميرات المراقبة وأجهزة الإنذار. ومع ثبوت أن لا أساس من الصحة لما قيل عن سرقة «خبيئة الغوري»، على الأقل في بيان رسمي عمّمه مكتب وزير الثقافة على مختلف وسائل الإعلام، فإن الوزير نفسه رأى، على ما يبدو، أن هذا ليس كافياً، فدعا إلى مؤتمر صحافي عُقد في متحف «الجزيرة»، وعرض خلاله على الصحافيين نماذج من لوحات تلك «الخبيئة»، مع أنه يؤمن، كما قال، بأن سرقة لوحة أو أكثر من متحف أو مخزن تابع لوزارة الثقافة لا ينبغي أن تترتب عليها مساءلته شخصياً، مستشهداً في هذا الصدد بحادث سرقة أربع لوحات من متحف الفن الحديث في باريس في أيار (مايو) الماضي، بينها لوحة لبيكاسو وأخرى لماتيس، «من دون أن يترتب على ذلك استدعاء وزير الثقافة الفرنسي للتحقيق». وبما أن الشيء بالشيء يذكر فإن سرقة «زهرة الخشخاش» كانت سبباً في إضافة وصف جديد إلى «الوزير الفنان»، وهو: «أول وزير يخضع للتحقيق أمام النيابة العامة أثناء توليه منصبه». وعلى أية حال فإن المؤتمر الصحافي الخاص بتأكيد عدم سرقة «خبيئة الغوري»، أتاح لوزير الثقافة المصري الرد مجدداً على البيان الذي وقّعه عدد من المثقفين المصريين في أعقاب سرقة «زهرة الخشخاش» وطالبوه فيه بالاستقالة من منصبه، بأن وصفهم بأنهم «ليسوا مثقفين وإنما مجرد نشطاء سياسيين». هذا البيان الذي جاء تحت عنوان «فلترحل منظومة الفساد» أصدرته «اللجنة التحضيرية لمؤتمر المثقفين المستقلين»، وجمعت عليه توقيعات نحو مئة مثقف، بينهم صنع الله إبراهيم وعلاء الأسواني وسلوى بكر ورفعت سلام وفريد أبو سعدة وعز الدين نجيب، واختتم على النحو التالي: «فليرحل وزير الثقافة، وبطانته، وليعمل المثقفون على إطلاق الثقافة المصرية حرةً من أسر كلّ الحظائر». «هؤلاء ليسوا مثقفين»، قال الوزير فاروق حسني خلال المؤتمر الصحافي، قبل أن يضيف أنه مستعد للأخذ بما سينتهي إليه مؤتمرهم «إذا رأيناه مناسباً». ومعروف أن حسني دعا عقب إخفاقه في انتخابات رئاسة اليونسكو أواخر العام الماضي إلى مؤتمر عام للمثقفين المصريين، وتحددت له مواعيد عدة قبل الاستقرار على عقده في كانون الأول (ديسمبر) المقبل. أما الداعون إلى مؤتمر موازٍ فإنهم بحسب وزير الثقافة المصري «يريدون وزارة ثقافة مستقلة، وهذا أمر لا يمكن تحقيقه». على أي حال: «خبيئة الغوري» لم تُسرق، وسرقة «زهرة الخشخاش» هي «جريمة مفضوحة»، بمعنى أنها لا يمكن أن تعود بفائدة تذكر على مرتكبيها، ومن ثم فإن استعادتها حتمية، كما قال وزير الثقافة المصري، أما الفنان التشكيلي عدلي رزق الله، فلا يزال ينتظر صدور قرار بعلاجه على نفقة الدولة، وليس بيع لوحاته إلى صندوق التنمية الثقافية!