لم تكد الساحة الثقافية المصرية تفيق من صدمة حكم المحكمة الإدارية بسحب ترخيص مجلة «إبداع» حتى ظهر العدد الأخير من مجلة «الهلال»، وهو عدد أقل ما يقال عنه إنه تراثي بامتياز، ولا يمت بصلة إلى راهن الثقافة المصرية. وتجلى ذلك في خلو العدد من قسم «هلال المبدعين» الذي تميز من قبل بمتابعة ما يجري في الساحة الثقافية المصرية، وكان من آخر إنجازاته ملف «قصيدة النثر». ولاحظ رئيس التحرير الجديد للمجلة أن مثل هذا الملف لا يتناسب مع عراقة مجلة «الهلال» حسبما قال رئيس التحرير. وتأكيداً لهذه العراقة تراجعت اهتمامات المجلة نصف قرن، لنفاجأ بسوسن رحمي تكتب عن روايتي الروسي تولستوي «سيد وخادم» و «موت إيفان إيلتس»، وبعائشة صالح تكتب مقالاً بعنوان «البحث عن إحسان عبد القدوس». وكتب محمود قاسم عن زمن يوسف وهبي وفاتن حمامة ويحيى شاهين تحت عنوان «البحث عن مكانة عالمية في السينما العربية». وبحث محمد رضوان عن الممثل أحمد خميس الذي شارك في أفلام «الأيدي الناعمة» و «أين عمري» بصفته شاعراً، ومنحه لقب «شاعر الروابي الخضر». وزايد عليه الطاهر مكي فكتب عن «ابن رشد بصفته مؤلفاً نحوياً»، وكتب أحمد محمد صالح عن « قرد داروين الذي بلغ الستين». وتأكيداً لعراقة المجلة أيضاً كتب وديع فلسطين عن «نقاد لا يعرفهم النقاد» وهم: بدوي طبانة وسيد قطب ومحمد حسن عبدالغني ومصطفى عبدالله السحرتي، واستخدم ماهر شفيق فريد باب « نافذة على الثقافة العالمية « ليختار من الملحق الثقافي الصادر مع «ذا صنداي تايمز» مقالات عن أعمال لجان راسين ويوكيو ميشيما وستيفن زفايج وليوناردو دافنشي، وربما كان الوعي بعراقة «الهلال» وراء اختيار هذه المقالات دون غيرها. ولم يكن حال الملفات ببعيد عن غيره، فقد نشرت المجلة ملفاً بعنوان «صرخة آثار هوارة» احتوى على ثلاثة مقالات، وآخر عن مجمع اللغة العربية، وربما كان الملف الذي كتب فيه إسحق روحي ووائل غالي وأحمد عتمان عن رواية «عزازيل» الفائزة بجائزة البوكر العربية أخيراً أكثر المواد أهمية، على الأقل لمواكبتها حدثاً ثقافياً يستحق الاهتمام. وفي العدد نفسه كتب سفير مصر في اليابان وليد عبدالناصر عن «الأساطير في التراث الياباني»، وكتبت زينب الديب عن «علم الأجناس والأصول»، واختار عبده عرفة أن يكتب عن القاهرة في لوحات جون فريدريك لويس، وهي كغيرها من أعمال الأوروبيين في القرن التاسع عشر عن الشرق الخيالي وحريمه وغلمانه. ولم يكن الإبداع - الذي تقلص إلى عملين فقط - ببعيد عن هذه الحالة، فقد شهد العدد قصيدة لشريفة السيد بعنوان « قسمي أمام الله يا غزة «، وقصة لمحمد جبريل بعنوان « الصندوق «، وكلا النصين ينتمي إلى فترة الستينات وما قبلها. ولعل أفضل تعبير عن «الانقلاب الثوري» الذي أشار إليه رئيس التحرير عادل عبدالصمد في مقدمته هو مقال صافيناز كاظم «يا زمان الوصل بالهلال» «، فقد نشر بعد مقال رئيس التحرير، وأصبح عنواناً رئيساً على الغلاف، مع أنه لا يتعدى 500 كلمة، وأثبتت فيه كاتبته أن زمن رئيس التحرير الأسبق مصطفى نبيل عاد من جديد، وهو الزمن الذي لم يكن أي من الشباب قادراً على التواصل مع المجلة. ويبدو أن فترة رئاسة تحرير مجدي الدقاق التي شهدت تواصلاً بين المبدعين والمؤسسة العريقة كانت جملة اعتراضية.