تحول إقبال الشباب على نشر كتاباتهم بشكل كتب إلى ظاهرة لا يمكن إلا ملاحظتها، فهذا الانهماك في إصدار الكتب من شباب يرى البعض أنهم ما يزالون في طور التكوين، يثير أسئلة واستفهامات عدة، تخص التجربة التي يتكئ إليها هؤلاء، عند تعاطيهم مع قضايا المجتمع، أم أن التجربة لم تعد مطلباً أساسياً للكتابة، في البرهة الزمنية التي نعيشها، وهل حقق هؤلاء الشباب تميزاً جديراً بالاهتمام، أم أن كل هذه الإصدارات مجرد سحابة عابرة لم تمطر شيئاً يستحق الدراسة أو الوقوف عليها بالقراءة والنقد؟ بخاصة وأن هؤلاء يدفعون كلفة الطباعة مقدماً؟ عدد من الكتاب تحدث إلى «الحياة» حول هذه الظاهرة ومدى تأثيرها على المشهد الأدبي، وما الدوافع ورائها. محمد العباس: تزييف الإبداع وسرقة جيوب أنصاف المواهب إن الناشرين الجدد يمارسون نوعاً من تزييف الإبداع بأشكال مختلفة، ومنها استقطاب أنصاف المواهب وسرقة ما في جيوبهم وتقديمهم لواجهة المشهد كنجوم من دون أي رصيد. أي كاتب يمكنه الإبداع في عمر باكر، أما ما ينشر من فقاعات فلا صلة له بالأدب ولا بالفن، ولكن لا يتحمل وزره المؤلف الشاب لوحده، بل تشترك في ذلك مجموعة من مقترفي هذه الكارثة. فهناك مجموعة حلقات مهترئة تطال الناشر ووسائل الإعلام والناقد والمؤسسة التي تفتح المنابر لهؤلاء من دون أي ضوابط، لدرجة أنه لم يعد هناك اليوم ما يسمى بجيل الشباب أو الواعدين. إن غالب هذه الأصوات تبدأ من أول إصدار كنجوم ليس على مستوى التأليف فقط، وإنما على مستوى الترجمة أيضاً، واستغرب من دخول مجموعة من المترجمين والمترجمات للمشهد، وهم لا يفقهون شيئاً في النص الأجنبي ولا في طريقة نقله، ولا يملكون حتى زمام لغتهم الأم.. هذا سيؤثر بشكل مباشر على المنتج الثقافي، خصوصاً وأن هذه الإصدارات تجد رافعة إعلامية سعودية تضعها في مصاف الإبداع، فضلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي التي يتحرك فيها الكتاب الجدد بحرية مطلقة، مع وجود طابور من الآباء الثقافيين يضللون هذه الفئة ب«مقولة موت النخبة». هذه الظاهرة بحاجة إلى مناقشة جادة على المنابر لفرز الأجيال الثقافية، ولوضع مسافة بين من يحاول دخول المشهد ومن يملك الخبرة، بمعنى تفعيل قانون المجايلة الكفيل بإنتاج نص جديد ورؤى مغايرة. لمياء باعشن: المؤسسة الرسمية هي المسؤولة المؤسسة الرسمية هي التي فتحت الباب على مصراعيه لهذا الزخم، بدعوى أن على الشباب الانخراط في ما يشغلهم عن بعض التوجهات، وبالتالي فإن أي مناخ آخر هو صالح لوجودهم، وهذا نلاحظه في الأندية الأدبية وما تقدمه للكتاب الشباب. مهارات الشباب الجديدة في القنوات الحديثة كالإنترنت جعلتهم يشعرون باختلافهم وأهميتهم، ودفعهم ذلك لمحاكاة نظرائهم في بلدان عربية شهدت ما سمي بالثورات، وهذا انعكس على تفكيرهم. وبمجرد أن يكتب هذا الشاب أي شيء في محيطه يجد اهتماماً من دون تمحيص محتواه، وهذا ما أوجد فعل المحو من الشباب لدينصورات الثقافة. هذا استحقاق لا بد له من شهادات مكتوبة، يضاهي المنتج المكتوب ولا يقتصر على مواقع إلكترونية، بل ويقدم ذاته من خلال الإصدارات التي تكرمها المؤسسة نفسها. رواية «بنات الرياض» فتحت باباً للكثير من الأقلام البسيطة، وفي ذلك شيئاً من الإيجابية أعطى الثقة والمواجهة بالتفكير بعد أعوام من كسر التعبير الشخصي. من المهم وضع تصنيف يفرق بين أدب الشباب والأجيال السابقة، ويأتي ذلك بحركة نقدية متوازنة. من وجهة نظري لا توجد دار نشر أستطيع احترامها، فمن المعيب على دار النشر استغلال هؤلاء الشباب بالدفع وغيره. البريدي : تدشين «مزاين الكتب»! عجيب أمرنا في المجتمع السعودي، فحتى التأليف لم يسلم منا، إذ نرى ظاهرة «التزين بالكتب»، فبعد أن شاهدنا موجات كتابة عشرات الروايات التعيسة من فئات لا تمتلك الحد الأدنى لقراءة رواية بشكل معمق فضلاً عن كتابتها، نشهد الآن ظاهرة «كتب الشباب» بل «الكتب الناعمة» (كتب الأطفال) و«الكتب المخملية» (كتب الأثرياء)، فأضحى تأليف كتاب كما لو كان التقاط صورة وجبة في مطعم فاخر وإنزالها مباشرة على موقع «الآنستغرام» مع ابتسامة متصنعة! وربما يكون الكتاب مجرد «تغريدات في تويتر»، أو أفكار عابرة لا ناظم منهجياً لها فضلاً عن الأسس العلمية والفكرية.. كتابة وكفى، وربما يكون بعضهم أنجز «الكتاب الأعجوبة» في «جهازه الذكي» أثناء تمتعه ببعض أوقات الفراغ، قبيل وصول صحبته أو أثناء الانتظار لدى إشارة المرور ونحو ذلك! هل نحتاج إلى القول بأن التأليف عملية عسيرة وتحتاج إلى ذخيرة علمية جيدة وأدوات منهجية تحليلية نقدية وأساليب كتابية إبداعية تلائم المجال الذي ينشط فيها المؤلف، فضلاً عن الدربة والتمرس لفترات كافية؟ المشهد الذي أراه بئيساً للغاية ويبعث على استدعاء «نزف البكاء دموع عينك فاستعر.. عيناً لغيرك دمعها مدرار». لماذا نشوه الأشياء الجميلة بهذا السلوك المشين الذي يتمثل في «التزين بما لا نملك» أو «التزين بالأشياء الشكلية»؟ إنه عبث مجتمعي متوقع لمجتمعات «التخمة الاقتصادية» التي تذهب «الفطنة الفكرية»، إذ حازوا على كل شيء ولم يبق لهم إلا العلم والفكر والأدب، فما الذي يمنعهم من ولوج هذا العالَم والمنافسة فيه، فثمة ناشرون عرب يرحبون بالمنتج الفكري السعودي وينشرونه في مقابل مبالغ زهيدة، بضعة آلاف من الريالات. أنا لا أنكر أن ثمة مبدعين من الشباب والأطفال ومن الأثرياء أيضاً، وبأنهم يمتلكون أدوات جيدة للتأليف وتقديم أفكار تستحق النشر والقراءة، وقرأت لبعضهم فعلاً، ولكن هؤلاء استثناء في كل المجتمعات، فما الذي يجعلنا نتفوق في هذا المسار لنرى إنتاجاً كثيفاً لهذه الفئات في هذا الوقت؟ باختصار، ربما يشير هذا إلى أن المجتمع السعودي دشن «مزاين الكتب»، وثمة مسارات عدة للمزاين، سيفتتحها الواحد تلو الآخر!