سحر الشرق الأوسط: دمشق، الدوحة، بيروت. ما سبق قرأته على غلاف ملحق سفر وسياحة بريطاني ازدانت صفحته الأولى بصورة لشابة حسناء تقف على شرفة في دمشق ووراءها معالم المدينة حتى جبل قاسيون. الملحق وزع مع عدد السبت الماضي من «الفاينانشال تايمز»، ومع أنني قرأت المادة وسررت بها، فقد كنت سأتجاوزها لولا أنني وجدت في نهاية أسبوع واحد أن ملحق السفر في جريدة «الغارديان» كان غلافه عن الشرق الأوسط وشمال افريقيا، والعنوان: رحلات المشي في فلسطين، وإجازة قصيرة في مدينة الجزائر، والجانب الأكثر خضرة للأردن حيث وصل الكاتب الى الأزرق، ورأى قصور الأمويين وسط خضرة الواحات. طبعاً عندما يكون الموضوع السياحة فالحديث لا يكتمل من دون التعريج على مصر وآثارها، وقرأت في ملحق «الديلي تلغراف» موضوعاً عن قبور الفراعنة وكتاب الموتى، وفي «التايمز» عن البحث عن الكنوز من الآثار الفرعونية في الاسكندرية. وهكذا فقد وجدت نفسي أمام غلافي ملحقين، وموضوعين كبيرين وعشرات الصور في أهم أربع صحف انكليزية، وفي نهاية أسبوع واحد، عن السياحة في بلادنا. ولعل القارئ سيلاحظ وهو يقرأ أن «الخواجات» معجبون بما كنا، أكثر من اعجابهم بما نحن عليه الآن. الكلام عن المدن الثلاث كان أقرب الى قصيدة غزل منه الى تحقيق صحافي، بما فيها من آثار يعود بعضها الى 4500 سنة، فدمشق أقدم مدينة مسكونة في العالم من دون انقطاع. والتحقيق يتحدث عما نعرف نحن، من المتحف الوطني الى الجامع الأموي والسور التاريخي، ثم أقرأ شيئاً لم أكن أعرفه، ففي دمشق الشارع المستقيم (مدحت باشا)، والمقال يقول إن الشارع (الصراط) المستقيم هو الشارع الوحيد المذكور من التوراة حيث ذهب القديس بولس (شاؤول من طرطوس قبل اعتناقه المسيحية). ثم يزور دار أزياء تضم مشغلاً للأقمشة ويقول إن فستان عرس الملكة اليزابيث الثانية سنة 1952 كان من القماش المقصّب أو المطرز من صنع هذا المشغل. المقال التالي كان عن بيروت أو «باريس الشرق» كما يقولون، كما أن لبنان «سويسرا الشرق»، والكاتبة تذكر شيئاً لا أعرفه عن مدينتي، فالفندق «غراي» وهو جديد نسبياً على طرف ساحة الشهداء، أمام مبنى «النهار»، يحمل اسم مالكه غوردون كامبل غراي، وهذا اسكتلندي معجب ببيروت الى درجة أنه يفكر بالانتقال للعيش فيها، وهو يشير الى اختلاط الأذان من جامع محمد الأمين بأجراس كنيسة أرثوذكسية مجاورة، والكاتبة ترى خليطاً من الشرق والغرب، من المسلمين والمسيحيين، في «مازة» ثقافية مع بعض الفلفل. وسرني بشكل خاص أن تزور الكاتبة جبيل، وأن تتناول الطعام عند «بيبي عبد»، وأن تتذكر زيارات النجوم العالميين من نوع بريجيت باردو وفرانك سيناترا وديفيد نيفين. الدوحة تنال علامات عالية في المقال عنها لأنها تبدو جميلة رغم كل المباني العالية الحديثة فيها. والمقال يتحدث عن متحف الفن الاسلامي، فهو رمز للمدينة بقدر ما أن متحف سيدني رمز لتلك المدينة. ومع أن الكاتب لا ينسى أن الدوحة عاصمة الثقافة العربية، إلا أنه يبدي اهتماماً مماثلاً بسوق واقف فيه، والشيشة والقهوة العربية. المقال عن فلسطين في ملحق «الغارديان» كان جديداً في معلوماته عليّ مع أنني ولدت مع «القضية» وسأموت معها. والكاتب كيفن رشبي يترك السياسة وجدار الفصل والصواريخ ليركز على استكشاف طرق للمشاة في الريف الفلسطيني، وهو اختار طريقاً يحمل اسم «مسار خليل الله» يخطط له أن يقطع الشرق الأوسط من الشمال الى الجنوب، أو من جنوب شرقي تركيا، حيث يفترض أن ولد سيدنا ابراهيم ليمر عبر سورية والأردن وفلسطين واسرائيل، وربما ينتهي في مكةالمكرمة إذا قام السلام. المقال عن مدينة الجزائر كان جميلاً بدوره، والكاتب يرى أنها ستصبح «سان فرانسيسكو البحر الأبيض المتوسط» لو أنها تنعم بالراحة من الإرهاب، وهو بالتالي يأسف أن قلة من الزوار المغامرين يختارونها للسياحة مع أنه شعر بأمان فيها. وقد أعجب كثيراً بالقصبة التي صنفتها اليونيسكو تراثاً عالمياً، وبالجامع الكبير الذي يعود الى أيام المرابطين، وبكاتدرائية بيزنطية باسم «نوتردام افريقيا» قرأ فيها عبارة تدعوها أن «تصلّي لنا وللمسلمين». وقرأت تحقيقات أخرى عن رحلة عبر الصحراء في ليبيا، وعن «جزر الشمس» أو البحرين، وعن جزيرة مصيرة في عُمان. ومع هذا كله كان هناك الحديث عن مصر وآثارها التي يقال إنها وحدها تمثل ثلث ما في العالم من آثار قديمة، ولعلها النصف أو أكثر، فهناك اكتشاف أثري فيها يوماً بعد يوم. وإذا كان من حلقة أخيرة فهي الخجل أو الحرج أن أجد الأجانب يعرفون عن البلاد العربية أكثر مما أعرف. [email protected]