في سهول التندرة القطبية وعلى مسافة كبيرة إلى الشمال من موسكو، تخطط روسيا مساراً للابتعاد عن الغرب والاتجاه إلى آسيا. ففي يامال التي تعني باللغة المحلية "نهاية الأرض"، اكتسب مشروع تبلغ استثماراته 27 بليون دولار لإسالة الغاز الطبيعي أهمية سياسية كبرى إلى جانب أهميته الاقتصادية. فالمشروع يتلاءم تماما مع استراتيجية أكثر جرأة تنتهجها موسكو للتحول شرقا منذ فرضت الولاياتالمتحدة وأوروبا عقوبات عليها بسبب ضمها شبه جزيرة القرم من أوكرانيا إلى أراضيها، الشهر الماضي. فبدلا من نقل الغاز عبر خط أنابيب إلى زبائنها القدامى في الاتحاد الاوروبي، تهدف روسيا إلى شحن الغاز الطبيعي المسال بحرا من شبه جزيرة يامال النائية إلى مشترين في آسيا مثل الصين التي تجنبت الوقوف في وجه موسكو منذ استولت القوات الروسية على القرم. ويتضمن المشروع حفر أكثر من 200 بئر في طبقة الجليد التي تغطي القشرة الأرضية في الدائرة القطبية وإقامة منشآت لتحويل الغاز إلى سائل. ويجري العمل بالفعل في ميناء سابيتا على مسافة تتجاوز 2000 كيلومتر شمالي موسكو. وتبدو العقوبات الغربية للعاملين في مشروع يامال خطرا بعيدا رغم أن العقوبات الاميركية استهدفت جينادي تيمشنكو أحد الشركاء في شركة نوفاتك لانتاج الغاز التي تملك حصة تبلغ 60 في المئة في المشروع. فالمهم هو التأييد الذي يلقونه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومن المستثمرين الأجانب. وقال نائب رئيس يامال للغاز الطبيعي المسال فلاديمير فورونكين في المكان الذي أصبح موقع بناء ضخما في سهول التندرة المتجمدة "نحن واثقون. فالميناء والمحطة تحت حماية الرئيس والحكومة"، مشيراً إلى أن كلا من مجموعة "توتال" الفرنسية للطاقة وشركة الصين الوطنية للبترول يملك 20 في المئة من مشروع يامال، متسائلا "مستثمرون أجانب يضعون أموالهم هنا. فلماذا سيرغبون في ضياعها؟" وتقدر احتياطيات روسيا من الغاز في الدائرة القطبية الشمالية بأكثر من 30 تريليون متر مكعب وهي تأمل تحويل ربع هذه الكمية إلى غاز مسال بموجب خطة طويلة الأجل لتنويع عملائها وعدم الاعتماد على السوق الاوروبية وحدها. ومع بحث الاتحاد الاوروبي وأوكرانيا سبل خفض الاعتماد على الغاز الروسي، اتجهت موسكو لشركائها في اسيا أملا في الاستفادة من الأسعار القياسية للغاز المسال في اليابانوالصين وكوريا الجنوبية. وأشاد بوتين بمشروع يامال وأبدى استعداده لبذل كل ما هو ممكن لاستكماله. وتملك روسيا حاليا محطة واحدة لاسالة الغاز تسيطر عليها شركة جازبروم المنتجة للغاز والتي تديرها الدولة على جزيرة سخالين الواقعة في المحيط الهادي بطاقة سنوية تبلغ عشرة ملايين طن. وحثت شركات من بينها "شل" الشريكة في مشروع سخالين، روسيا على التعجيل بالتوسع في منشآت إسالة الغاز أو مواجهة ضياع فرصة الاستفادة من ذروة أسعار الغاز.