مع تعثر الجهود الديبلوماسية لإيجاد تسوية للنزاع في سورية والحصار المفروض على الأحياء الشرقية من مدينة حلب، يدرس الرئيس الأميركي باراك أوباما عقوبات جديدة على سورية يمكن أن تكون لها وطأة شديدة على النظام وتستهدف أيضاً روسيا الداعمة للرئيس بشار الأسد. وقال مسؤولون وديبلوماسيون إن البحث جار في هذه الاستراتيجية، مشيرين إلى أن الجهود الأولية قد تركز على فرض عقوبات في الأممالمتحدة على الجهات الضالعة في هجمات بواسطة أسلحة كيماوية. ومن المتوقع أن تصدر لجنة تحقيق مدعومة من الأممالمتحدة خلال الأسابيع الأربعة المقبلة تقريراً جديداً حول هجومين بالأسلحة الكيماوية وقعا في سورية في العامين 2014 و2015. وسبق أن حملت اللجنة التي شكلتها الأممالمتحدة و«منظمة حظر الأسلحة الكيماوية» القوات الجوية السورية مسؤولية هجومين كيماويين بغاز الكلور على بلدتين في محافظة إدلب في شمال غربي سورية هما تلمنس في 21 نيسان (أبريل) 2014 وسرمين في 16 آذار (مارس) 2015. غير أن التقرير الجديد المرتقب صدوره قبل 27 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري سيتضمن المزيد من التفاصيل حول الجهات المسؤولة، ما يمهد لفرض عقوبات محددة الأهداف. ويقول مؤيدو العقوبات إن فرضها سيوجه إشارة مفادها أن هناك هامشاً ضئيلاً للمحاسبة في سورية لا زال قائماً على رغم النزاع المستمر منذ سنوات ووقوع الكثير من الفظاعات وسقوط أكثر من 300 ألف قتيل. وفي حين أن معظم المقربين من بشار الأسد وكبار مساعديه العسكريين يخضعون حالياً لعقوبات تتضمن منع السفر إلى الولاياتالمتحدة وتجميد أموالهم، رأى مسؤولون أن استهداف ضباط من مراتب أدنى قد ينعكس على معنويات القوات العسكرية السورية. غير أن التأثير الأكبر قد يكون على الصعيد الديبلوماسي. فأي مشروع لفرض عقوبات سيضع روسيا في موقع غير مريح ستظهر فيه على أنها تدافع عن استخدام حليفها أسلحة كيماوية، وقد يرغمها على استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن. وكان من المقرر أن يصدر التقرير في وقت سابق، لكن تم تأجيله لإتاحة فرصة من أجل أن تتوصل الجهود الأميركية والروسية إلى وقف اطلاق نار في سورية. ومع وصول هذه المساعي إلى طريق مسدود، اشتدت الضغوط على أوباما للتحرك من أجل وقف المجازر في سورية. وقال ديبلوماسي في مجلس الأمن: «ما نقوم به هو ديبلوماسية من نوع آخر، ديبلوماسية قد تكون أشد وطأة يمكن أن تتخذ شكل قرارات مصممة لممارسة الضغط». وأوضح أن «الاستراتيجية التي نعمل عليها تقضي بمحاولة تغيير السلوك الروسي. بصراحة لم ننجح كثيراً على هذا الصعيد هذه السنة، وهم قدموا دعماً عسكرياً للأسد». وفي حال فشل المساعي في الأممالمتحدة، يرجح التوجه إلى اعتماد عقوبات تفرضها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاء آخرون. وأفاد المسؤولون أن نطاق العقوبات قد يكون واسعاً ولا يقتصر على سوريين فقط بل يشمل أيضاً شركات روسية توفر الإمكانات لضرب مناطق مدنية. والهدف من ذلك توجيه رسالة قوية إلى موسكو بأنها ليست بمنأى عن العقوبات وأن استمرارها في دعم النظام السوري يحتم عليها دفع ثمن. وقال الناطق باسم البيت الأبيض جوش إرنست: «لا أستبعد جهوداً متعددة الأطراف خارج إطار الأممالمتحدة لفرض أثمان على سورية أو روسيا أو غيرهما في ما يتعلق بالوضع داخل سورية»، وأضاف: «لا أستبعد ذلك لجهة الخيارات التي يمكن أن يدرسها الرئيس». ومن المرجح أن تستهدف العقوبات شركات محددة مثل شركات قطع الغيار للطائرات أو شركات إنتاج المواد الكيماوية، بهدف الالتفاف على معارضة العواصم الأوروبية لفرض عقوبات واسعة النطاق على روسيا التي تعتبر شريكاً تجارياً أساسياً لها. غير أن قصف الطيران الروسي والسوري على الأحياء الشرقية من مدينة حلب والأزمة الإنسانية ذات الأبعاد التاريخية في هذه المدينة، مهدا لاتخاذ خطوات أكثر شدة. في الإطار نفسه، تبنت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل خطاباً أكثر تشدداً أخيراً على خلفية المجازر في حلب وأبعاد أزمة اللاجئين التي هزت أوروبا. وبعد مكالمة هاتفية مع أوباما الأسبوع الماضي، ندد الزعيمان ب «بأشد العبارات بالغارات الجوية الوحشية لروسيا والنظام السوري على شرق حلب»، وحملا موسكو ودمشق «مسؤولية خاصة في وضع حد للمعارك». ولكن يستبعد أن يؤدي أي من العقوبات قيد الدرس حالياً إلى إنهاء القتال بصورة مباشرة في حلب. واستبعد مسؤولون احتمال أن يخرج أوباما عن خطه المعارض للقيام بتحرك عسكري ضد النظام السوري، وأن يأمر بشن ضربات جوية أو بواسطة صواريخ «كروز» على أهداف تابعة للقوات السورية. وقال إرنست: «ثمة عواقب جسيمة تترتب على استخدام القوة العسكرية الأميركية ضد نظام الأسد»، مضيفاً أن «أبرز هذه العواقب التي يجدر أن نتنبه لها هي انجرار الولاياتالمتحدة إلى حرب برية جديدة في الشرق الأوسط». وأرسل أوباما حوالى 300 عسكري إلى سورية وركز على محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) في البلد كما في العراق ومناطق أخرى، غير أنه رفض التدخل في نزاع لا يعتبر أنه يهدد المصالح الأميركية الاستراتيجية. إلا أن القصف المركز على ثانية المدن السورية شكل تحدياً لتمنع أوباما عن استخدام القوة، كاشفاً عن قلق داخل إدارته إزاء هذا الموضوع.