بعد لأْيٍ وطول انتظار، قرر الرئيس باراك أوباما دعم الثوار السوريين عسكرياً، على رغم أنه لم يحدد نوع السلاح ولا كمه. ولو بادر إلى هذه الخطوة قبل 18 شهراً، لنجح في قلب موازين القوى في الحرب الأهلية ضد نظام بشار الأسد وحال دون بروز القوى المتطرفة المرتبطة ب «القاعدة». واليوم، لا يعتد بخطوة أوباما الصغيرة. واضطر الرئيس الأميركي إلى هذا القرار إثر بروز أدلة بائنة على تجاوز نظام الأسد الخط الأحمر الأميركي واستخدامه غاز السارين القاتل ضد الثوار والمدنيين مراراً. وقرار أوباما هذا هو كذلك استجابة لالتماس العميد سليم إدريس، قائد الثوار السوريين، المساعدة العسكرية. ففي اتصال هاتفي بمسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية وفي رسالة إلى واشنطن، حذر إدريس من استعداد النظام لشن هجوم جديد على أكبر مدينة سورية، حلب. وقدرة الولاياتالمتحدة وحلفائها على المساهمة في الحؤول دون دحر المعارضين في حلب وطي قضيتهم، رهن بسرعة مد الثوار بالسلاح وبتسليمهم ما تمس الحاجة إليه، أي مضادات الدروع ومضادات الطائرات. لكن الحؤول دون سيطرة النظام على مناطق المعارضة في حلب فحسب، لن يحقق الأهداف الأميركية في سورية. ويبدو أن الإدارة الأميركية تأمل في أن يحمل اجتماع عاملين هما تواضع المساعدات الأميركية العسكرية وأدلة استخدام السلاح الكيماوي، روسيا على دفع النظام السوري إلى التفاوض والتسليم برحيل الأسد. لكن موسكو سارعت إلى دحض ملف السلاح الكيماوي السوري ولن تتوقف عن مد نظام دمشق بالسلاح. ولا شك في إن رجحان كفة المعارضة في الحرب هو السبيل الوحيد لإرساء حل سياسي. ومثل هذا الرجحان يقتضي تدخلاً أميركياً نشطاً وفعالاً. والخطوة الأولى نحو هذا التدخل هي موافقة أوباما على خطة أعدها البنتاغون ونشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال»، لفرض منطقة حظر جوي في جنوب سورية. والمنطقة هذه ترتقي ملاذاً آمناً للثوار يرصون فيها صفوفهم ويتدربون، وينعم فيها النازحون بالأمن. وفي الوسع إرساء مثل هذه المنطقة من طريق توسل صواريخ «باتريوت» ومقاتلات لا تعبر الأجواء الأردنية. وقال مساعد مستشار الأمن القومي بن رود، المساعد في البيت الأبيض، أمام الصحافيين قبل أيام إن منطقة حظر جوي باهظة الكلفة وفاتحة التزام أميركي غير محدد الأمد، ولن تغير شيئاً في ميدان المعركة. لكن هذا الزعم لا تقوم له قائمة. فصحيفة «نيويورك تايمز» نشرت تقارير استخباراتية أحصت شن النظام السوري 500 ضربة جوية على الثوار والمدنيين الشهر الماضي. والمنطقة الآمنة تهمّش دور سلاح الجو السوري الراجح في الحرب. وآن أوان إدراك أوباما أن الحرب في سورية تهدد مصالح أميركا الاستراتيجية- من مكافحة «القاعدة» إلى حماية أمن إسرائيل. والتأخر في تسليح الثوار زاد كلفة بلوغ الأهداف المرجوة و «المقبولة». وإذا اقتصر التدخل اليوم على تدخل ضعيف، تعاظمت الأكلاف المترتبة على تواصل فصول الحرب. * إفتتاحية، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 14/6/2013، إعداد منال نحاس