لم تكن قيادات الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم في مصر تتوقع أن تتراكم مشاكل المواطنين قبل شهرين فقط من الانتخابات البرلمانية المهمة التي تجرى في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل ويعد لها الحكم منذ فترة، لما لها من أهمية بالغة في تحديد القوى التي يحق لها الترشح في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في النصف الثاني من العام المقبل. وزاد ارتفاع الأسعار في شهر رمضان من سخونة الصيف التي لم يجد المصريون مفراً منها في ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء والمياه. والغلاء هو أكبر مشاكل الأسر المصرية في رمضان ميسورها وفقيرها، إذ تواصل أسعار السلع، المرتفعة أصلاً، قفزاتها على رغم التصريحات الحكومية المتكررة عن السيطرة على الأسعار. وظهرت في الأسواق هذا العام ظاهرة جديدة للتحايل على ارتفاع الأسعار، إذ عمد بعض المتاجر الشهيرة إلى تقسيط مشتريات المواد الغذائية. وذكر «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» في بيان صدر أخيراً أن معدل التضخم الشهري شهد ارتفاعاً ملحوظاً نسبته 2.5 في المئة خلال تموز (يوليو) الماضي، مقابل 0.5 في المئة خلال حزيران (يونيو). ولفت إلى أن «الرقم القياسي لأسعار الطعام والشراب على مستوى الجمهورية سجل زيادة شهرية قدرها 3.2 في المئة خلال تموز مقابل 0.7 في المئة في حزيران الماضي». وأوضح أن «معدل التضخم الشهري في أسعار اللحوم والدواجن سجل أعلى ارتفاع في الأسعار بنسبة تصل إلى 5.3 في المئة خلال تموز مقارنة بالشهر السابق عليه، كما شهدت أسعار كل من الحبوب والخبز ارتفاعاً نسبته 2.1 في المئة والأسماك والمأكولات البحرية 0.5 في المئة والألبان والبيض والجبن 1.1 في المئة والزيوت والدهون 0.6 في المئة والفاكهة 2.4 في المئة والخضراوات 5.3 في المئة والسكر والأغذية السكرية 0.4 في المئة ومنتجات غذائية أخرى 1 في المئة». وجاءت أزمة القمح لتفاقم الأمور سوءاً ويقفز سعر الدقيق (الطحين) بعد قرار وقف تصدير القمح الروسي حتى نهاية العام الحالي على خلفية الجفاف الذي ضرب روسيا أكبر مصدري القمح إلى مصر، ما خلف تداعيات سلبية كبيرة على السوق المصرية ظهرت بوادرها في ارتفاعات مبالغ فيها في أسعار الطحين وغالبية منتجاته من مخبوزات وحلويات ومعكرونة. واكتفت الحكومة بتثبيت سعر رغيف الخبز المدعم. وما زالت مناطق متفرقة في مصر تعاني انقطاعات مستمرة في التيار الكهربائي أرجعها خبراء إلى قلة توريد وزارة البترول الغاز الطبيعي اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية إلى وزارة الكهرباء، ما يضطرها إلى استخدام وقود المازوت الأقل كفاءة ويتسبب في قطع التيار الكهربائي، فيما عزت وزارة الكهرباء هذه الانقطاعات المتكررة التي تتزامن مع ارتفاع شديد في درجات الحرارة إلى زيادة الأحمال في أوقات الذروة. وأثارت تلك المشكلة اهتمام الرئيس حسني مبارك الذي طلب من وزير الكهرباء الدكتور حسن يونس إيجاد حل لهذه المشكلة التي استغربها في ظل إنتاج مصر الكبير من الطاقة الكهربائية التي تفاخر الحكومة بتصديرها، ما أدى إلى تحسن طفيف على خدمات الكهرباء، وإن كان الأمر لا يزال سيئاً في بعض المناطق النائية. وتسبب أزمة الكهرباء في أزمة مياه، إذ أدى انقطاع التيار الكهربائي عن محطة مياه شرب العبور قبل أيام إلى انقطاع المياه عن مدن القاهرةالجديدة والشروق والعبور والنهضة، كما عزا رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي في محافظة الفيوم (جنوبالقاهرة) المهندس محمود نافع أزمة مياه الشرب التي اندلعت في محافظته إلى عطل في خط الكهرباء المغذي لأكبر محطة مياه الشرب في المحافظة. وأوضح أن العطل أدى إلى خفض تشغيل المحطة إلى نصف طاقتها. وكان مواطنون اشتكوا من انقطاع المياه عنهم قبل أيام، وهي شكوى معتادة للآلاف في القرى النائية. وتمثل هذه المشاكل مجتمعة «أزمة» للحزب الحاكم الذي يسعى إلى السيطرة على مقاعد البرلمان المقبل وإقصاء «الإخوان المسلمين»، أكبر فصيل معارض، من أجل ضمان انتخابات رئاسية هادئة العام المقبل، إذ تتلقف قوى المعارضة شكاوى المواطنين لشن هجوم على سياسات الحكم ودعم مطالبها بالتغيير.