فاز جيريمي كوربن زعيم حزب العمال البريطاني المعارض بولاية ثانية على منافسه أوين سميث الذي تحداه بدعم من غالبية نواب الحزب الذين تمردوا على سلطة زعيمهم «لأنه لن يستطيع الفوز في الانتخابات العامة المقبلة أو أن يهزم حزب المحافظين الحاكم بسبب سياسته اليسارية التي تعود الى فترة الستينات»، كما يقول منتقدوه. ومع أن انشقاقاً نيابياً واسعاً لن يحدث سريعاً، إلا أنه يبدو محتملاً جداً. وأعلن فوز كوربن، الذي يقود الحزب منذ سنة تقريباً، بغالبية نحو 62 في المئة من نصف مليون منتسب أو مناصر أكثرهم تم تسجيلهم لانتخاب كوربن رداً على الاتجاه الوسط أو ما يُسمى «حزب العمال الجديد» الذي قاده طوني بلير الى النصر في ثلاثة انتخابات متتالية منذ العام 2007. ويعقد المؤتمر السنوي للحزب اليوم في مدينة ليفربول لتتويج كوربن رسمياً، وسط إشارات الى إمكان انشقاق عدد ملموس من النواب ومقاطعتهم المؤتمر والحزب وحتى الانضمام الى «حكومة الظل» التي ستتخذ طابعاً راديكالياً يسارياً يعكس آراء النقابات العمالية والتروتسكيين. ويعني انتخاب كوربن أن الهوة لا تزال كبيرة بين قاعدة الحزب وقيادته ويهدد حظوظ العماليين في العودة الى السلطة سريعاً. واضطر كوربن للعودة الى أعضاء الحزب في وقت مبكر، بعدما صوت 172 من أصل 230 نائباً في الحزب في حزيران (يونيو) الماضي على مذكرة لحجب الثقة عنه، منتقدين تأخره في تأييد معارضة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ووسط تصفيق من حضور الاحتفال بإعلان النتائج، سارع كوربن الى دعوة أنصار الحزب الى رص الصفوف، داعياً معارضيه «للعمل معاً من أجل تغيير حقيقي وفتح صفحة جديدة». وأدى مشروع «الثورة الديموقراطية» والأفكار التي تميل الى أقصى اليسار لدى «الرفيق كوربن» الى جذب الكثيرين، ما غذى اتهامات بتسلل ماركسيين قدامى وعناصر من أنصار حماية البيئة الى حزب العمال. وقال باتريك دونليفي الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد لوكالة «فرانس برس» «في كل أنحاء أوروبا، شهدنا نشوء أحزاب مبنية على حركات ناشطين مثل بوديموس في إسبانيا، أو النجوم الخمسة في ايطاليا، أو سيريزا في اليونان. ومع جيريمي كوربن يقترب حزب العمال من هذا الاتجاه». ويعتقد المعتدلون المدعومون بنتائج استطلاعات الرأي، بأن هذه الاستراتيجية ستؤدي الى بقاء حزب العمال في صفوف المعارضة على مدى سنوات عدة أو حتى عقود. ويرى المحللون أن الانتخابات البرلمانية المقبلة سنة 2020 ستصب في مصلحة حزب المحافظين الحاكم الذي سيكون الفائز الحقيقي من إعادة انتخاب كوربن الذي ادعى أمس أننا «سنقاتل من أجل الفوز في الانتخابات المقبلة». وحتى قبل إعادة انتخابه، قال كوربن أنه «يمد يد السلام» الى جميع النواب الذين أظهروا انقساماً خلال الصيف، لكن الشتائم والتهديدات المتبادلة أثناء الحملة الانتخابية قد تترك ندوباً عميقة. ولا يبدو أن المصالحة كفيلة بحل مشكلة قائد لحزب العمال غير مرغوب فيه من القيادة، على رغم تأييد الناشطين له. وليس ممكناً التوفيق بين مواقف المعسكرين داخل الحزب في هذه المرحلة، الى حد أن البعض يخشى على مستقبل الحزب. فالنواب المعتدلون المقتنعون بأن وجود كوربن يمنع عودة الحزب إلى السلطة، قد تغريهم فكرة الانفصال لخلق تيار جديد يساري وسطي. لكن معظم المحللين لا يتوقعون سيناريو مماثلاً، على الأقل في المدى المنظور. وقال توني ترافرز، من كلية لندن للاقتصاد أن «البعض سيدخل الى صفوف الحزب، فيما سيواصل آخرون التمرد. سيتحول حزب العمال الى عائلة تعيسة تحاول التعايش». وقد تؤدي أي هزيمة انتخابية مقبلة الى تغيير في الحزب، علماً أن لا ضمانات تؤكد أن ذلك سيعني خروج كوربن ومؤيديه من الحزب. وقال انان مينون: «الفكرة تكمن في بناء حركة اجتماعية، ومؤيدو هذه الفكرة مستعدون لأن يقبلوا بأن يستغرق ذلك وقتاً طويلاً. الأمر يتعلق بتغيير الحزب أولاً قبل التحضير للانتخابات» المقبلة. وقال ستيفن فيلدينغ من جامعة نوتنغهام «إنها فرصة ذهبية ولن يدعوها تمرّ». وأضاف «حرب الاستنزاف ستستمر. ويجب أن يضرب كويكب الأرض من أجل أن يتغير ذلك». ومع أن حزب المحافظين يبدو متماسكاً الآن، إلا أن الشقوق بدأت تظهر بسبب رغبة بعض الطامحين بخلافة رئيسة الحكومة الحالية تيريزا ماي، في استعجال عملية الخروج من أوروبا من دون النظر الى النتائج في وقت تعارض ماي وغالبية أعضاء الحكومة أي خروج غير منظم وتدرجي. واضطرت رئاسة الحكومة أكثر من مرة أخيراً لتوضيح موقف الحكومة الرسمي مما أطلقه بعض الوزراء المسؤولين عن ترتيب «طلاق» بريطانيا من أوروبا.