انتهى أمس، التصويت لاختيار رئيس جديد لحزب العمال البريطاني، بعد حملة هيمن عليها الصعود الكاسح والمفاجئ لجيريمي كوربن اليساري المتشدد الذي رجحت الاستطلاعات إعلان فوزه بزعامة الحزب. وأشار آخر استطلاع للرأي نشره معهد «يوغوف» إلى أن كوربن سيحصل على 53 في المئة من أصوات الناخبين في الاقتراع الذي بدأ في 13 آب (أغسطس) الماضي، وتعلن نتيجته غداً السبت. وكوربن (66 سنة) أقرب إلى الحزبين المعارضين للتقشف «سيريزا» اليوناني و»بوديموس» الإسباني، منه إلى الخط «الوسطي» لرئيس الحكومة السابق توني بلير. ونجح المرشح المفضل لرئاسة «العمال» في تعزيز مواقعه لدى الشبان والمسنين والنقابات الذين ملوا جميعاً من خطاب «العماليين» الذي يوصف بالفاتر جداً. ولا يعتبر كوربن النائب عن ايلينغتن نورث منذ 1983، خطيباً مفوهاً ولا قيادياً يتمتع بجاذبية، بل على العكس، هو رجل متكتم يتنقل على دراجة هوائية ويزرع بنفسه حديقة منزله في أحد أحياء شمال لندن. لكن المرشحين الثلاثة الآخرين وجميعهم في الأربعينات من العمر وهم أندي بورنام وايفيت كوبر وليز كيندال والذين تبدو مسيرتهم تقليدية، لم ينجحوا في إثارة حماسة الناس. وقال أندرو هاروب الأمين العام لجمعية «فابيان سوسايتي»، المركز الفكري لليسار الوسط إن كوربن «يفوز لأنه يمثل رفضاً للسياسة التقليدية ولأن المرشحين الآخرين لم ينجحوا في إثارة الحماسة أو الأمل». وأضاف إن «كل شيء يتجه إلى تأكيد أن كوربن يتمتع بفرصة كبيرة جداً ليصبح زعيم الحزب». وغداة الهزيمة النكراء لزعيم الحزب السابق اد ميليباند في الانتخابات الاشتراعية في السابع من أيار (مايو) الماضي، اتفق الجميع على القول إن ذلك نجم عن الانعطاف إلى اليسار الذي بدأه في 2010. لكن بعد أربعة اشهر، يستعد حزب العمال لاختيار النائب الأكثر ميلاً إلى اليسار لقيادته. وقال وزير الخزانة البريطاني المحافظ جورج أوزبورن في مقابلة مع نشرة «ستيتسمان» الأسبوعية إن «العمال» إذا كانوا يريدون العودة إلى الثمانينات «فدعوهم يفعلون ذلك». وقال أندرو هاروب إن «الكثير من مؤيدي حزب العمال كانوا يخشون ألا يكون أداء أي من المرشحين (الآخرين) أفضل من إد ميليباند». وأضاف: «لذلك في مواجهة عقد أو أكثر من حكم المحافظين الذي يخيب آمالهم، يفضلون اختيار معارضة واضحة وتملك التصميم بدلاً من الحل الوسط والانضباط اللازم للاستعداد للحكم». ويبدو أن فتح التصويت الذي كان يقتصر من قبل على أعضاء الحزب والنقابات، أمام أي مواطن مستعد لدفع رسم قدره ثلاثة جنيهات استرلينية، لعب دوراً حاسماً في تقدم كوربن، إذ تسجل 610 آلاف شخص للاقتراع. ويواجه حزب «العمال» صعوبة في إدارة هذه الخطوة، ذلك أن بعض المسجلين يشعرون بالاستياء لأنهم لم يتلقوا بطاقة الاقتراع. وقال اين بيغ الأستاذ في جامعة «لندن سكول أوف إيكونوميكس» إن كوربن «استغل حملته في شكل جيد بتجنبه أن تطرح عليه أسئلة حول الفلسطينيين وغيرهم، كما أنه بقي غامضاً في شأن أوروبا». ويدعو الناشط السلمي الذي يسعى إلى إزالة الأسلحة النووية من بلده إلى إشراك «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) و»حزب الله» اللبناني في تسوية في الشرق الأوسط وهو موقف مثير للجدل في بلد أدرج الجناحين العسكريين للحركتين على لائحة المنظمات الإرهابية. ولم يعلن كوربن موقفاً واضحاً من الاستفتاء الذي تريد الحكومة البريطانية إجراءه قبل نهاية 2017 حول بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي. لكن أحداً لا يتوقع أن يتولى رئاسة الحكومة. وقال اين بيغ: «مع كوربن تبدو ضئيلة فرصة فوز حزب العمال في 2020» في الانتخابات الاشتراعية المقبلة. وقال هاروب إن «كوربن يمكن أن يخفق كزعيم للحزب وبذلك تكون ولايته مرحلية». وأضاف: «لكن تأثير داعمي اليسار المتطرف قد يمتد وفي هذه الحال، يمكن أن يبقى حزب العمال لفترة طويلة بعيداً عن السلطة وربما سيكون عليه بذل جهود من أجل بقائه في شكله الحالي».