الديموقراطية، على رغم كونها النظام السياسي الأكثر قدرة على التكيف مع الاختلافات والنزاعات، فإن الوصول إليها في العالم العربي ليس بهذه السهولة، ومسارها يكاد يكون عصياً وممتنعاً على التحقق، لا سيما بعد حدوث اصطفافات جديدة نتيجة الاستبداد السياسي الطويل الذي عاشته البلاد العربية. وهذه الاصطفافات ارتبطت معها مصالح اقتصادية فئوية ومكاسب مالية ليس من السهل التنازل عنها عن طيب خاطر. لذلك يفتقد هذا المنهج إلى تقديم الخطوات المتدرجة والمتلاحقة التي توصلنا إلى هذه الشعارات البراقة التي تكاد تصبح بمثابة اجماع القوى السياسية العربية خارج السلطة وبعض الأفراد الموجودين في السلطة نفسها. وهذا ما يحتم على الباحثين النفاذ بشكل عميق إلى جوهر الأزمة السياسية لنزع فتائلها في شكل متدرج وعلى طريق الاصلاح المتلاحق الخطوات وعدم الوقوف أمام إعادة الترسيمات الفكرية الجاهزة التي ينحصر معظمها في الإطار المطلبي كضرورة تحقيق الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان. ولكن على رغم ذلك يبقى التحليل السياسي الاجتماعي الأكثر إقناعاً بقدرته على قراءة أزمة المجتمع العربي، في حين تبدو المناهج الأخرى، الفكرية والاقتصادية والتربوية عاجزة عن تفسير التحولات الاجتماعية حيث غالباً ما نقرأها وفق نماذج ثابتة، فالأزمة المجتمعية والسياسية التي يعيشها العالم العربي تمتلك بلاشك ظلالاً تربوية وفكرية وثقافية ولكنها لا تعدو أن تكون لاحقة بالأزمة الرئيسية وتابعة لها. ما يغيب أيضاً عن متبني المنهج السياسي الاجتماعي في قراءة أزمة المجتمع العربي هو تعففهم عن قراءة الأزمة في أجيالها المتعددة، لذلك اعتبر المنهج السياسي الاجتماعي الأكثر التصاقاً بالواقع العربي بشرط عدم الجمود عليه بل والعمل على تجديد رؤيته بالتطعيم مع الرؤى الأخرى دون انتظار الشعارات الكبرى والآمال العريضة حتى تتحقق. وهذا ما يفرض علينا في الزمن المقبل تحديات من نوع جديد، وهو تعميق البحث في أزمة المجتمع العربي فير شكل يجلي كافة أبعادها. * كاتب فلسطيني