دخلت الفتاوى منعطفاً حاسماً هذه المرة، حين فرض القرار الملكي تنظيماً جديداً لها ليحصرها وتقصر بالمجمل في هيئة كبار العلماء من دون غيرهم، ولعل الحصر الملكي الأخير يضع جملة الفتاوى المتناثرة في قالب واحد، ومن وجهة معلومة عبر أصواتها التي لا تتجاوز أصابع اليدين ولِتْدرأ بالمقام الأول حمى الجدل والصخب التي فارت زمناً من دون أن يكتب لها إلا فترات استراحة متقطعة ربما لاستعادة الأنفاس من جديد. أحدثت الفتاوى، وبلا شك، على خريطة المشهد المحلي صراعاً ساخناً وتبايناً شديداً بوجهات النظر وصل إلى حد التشكيك في القدرات والاجتهادات، واعتبار ذلك خرقاً لم يكن مألوفاً في السابق، ما خلق اضطراباً في العقول وفقداناً للقدرة على تحديد المسار الجاد المجتهد والقارئ لمساحة الخلاف من زاوية رؤية شاملة كاملة تذهب بطرفي أي خلاف على فتوى إلى شاطئ إقناع، وجَوِ احتواء مثالي شامل، لا نملك بعده إلا أن نؤمن ونسلم بخاتمة الخلاف. خلافات الفتاوى حتى وإن لم تظهر على السطح فإنها تدور في مربعات الحوار، ودوائر النقاش، ما يتطلب معه خطاً مباشراً حاضراً يوقف أي تشابك لفظي، ونزاع على اجتهاد متباين الرؤية والظروف، وما سيل برامج الإفتاء على شاشاتنا المختلفة إلا دليل على أن هناك حجماً هائلاً من السؤال، بلا خوض في مستوى الثقافة، يحتاج بالمنطق إلى الحجم ذاته من الإجابة، وضعفه من التسهيل والتيسير، وإن كنت أعتقد أن هذه الخلافات تثبت أن هناك عملاً جاداً وحراكاً حول بعض النقاط مثار الركود لزمن طويل من دون أن يصل من ينظر إليها عن بعد إلى توازن وتوازٍ برفقتها حتى ظل حبيس أنفاس بين نبضات الشك واليقين بداخله. ليس المثير في الاختلاف على الإطلاق، إنما المهم أن تحسم مادة الشر وتكون الكلمة موحدة في إطارها المعروف المعتاد حتى تظل الأعين بدرجة رؤية سليمة لا تشكو قصراً أو بُعداً في النظر، القرار سيكون منعطفاً في مشوار قضية الخلاف والاختلاف ونقطة مفصلية في الطريق المقبل، يستدعي بالضرورة وجوداً مستمراً وقراءة سريعة حتى لا يمضي الزمن باجتهادات لا تطفو على السطح، إنما تظهر وتختفي، وقد لا تكون حبال القناعة والاقتناع على مستوى الفكرة والاجتهاد قوية منيعة، لكنها بسيطة ميسرة قريبة من الأنفس الكارهة بالطبيعة للقسوة والشدة. تنظيم الفتوى هو تعزيز للمؤسسة الدينية ومكانتها، وتدعيم لميزة الثقة والقبول التي تحظى بها من الغالبية العظمى للمسلمين، حتى لا تكون الفتاوى بفوضاها واجتهادها شغلاً إضافياً، وهماً زائداً، وهوى معترضاً. المنتظر المتبقي هو آلية التنظيم المتسامحة الشاملة وموعد البداية، وان يفرق بين اختلاط الفتاوى بشيء من الآراء الشخصية التي تقولب بشكل سريع على هيئة فتوى طازجة تثير وتستثير، والأهم أن تأخذ الفتاوى السابقة مثار الاضطراب والفوضى حيزاً من أوراق العمل المقبلة حتى لا يقف المتلقون السابقون ذات اليمين وذات الشمال. [email protected]