أصدر الكاتب والصحافي السعودي تركي الدخيل كتاباً بعنوان «جوهرة في يد فحام» وهو كما يفيد العنوان الفرعي مجموعة مقالات ومقابلات صحافية خاصة باليمن (دار مدارك، بيروت 2010). ويوضح الدخيل في المقدمة وعنوانها «اليمن التاريخ... اليمن الذات» أن رحلاته الى اليمن مصدر ثراء كبير، ليس لفهم التاريخ اليمني فحسب، وإنما فرصة لفهم الحالة العربية بأكملها، على اعتبار اليمن خزينة من أعظم خزائن التراث الإنساني، ومن أعرق زوايا الأرض، بما تحمل من إرث ثقافي. ويشير الى أنه لم يستطع نسيان تفاصيل التفاصيل، خصوصاً رحلته الأولى الى اليمن، وكان وقتها عريساً و «عطر الزواج يفوح من رقبته»، وقد يمّم شطر «اليمن» لمهمة مهنية، ملبياً نداء الصحافة. وكانت الرحلة الأولى بداية لصفحات كثيرة ستعلق في الذاكرة، عن تلك الأرض... اليمن السعيد. وفي رأيه أن اليمن، من البلدان التي ما زارها كاتب، إلا وسطّر عنها ما تيسّر له من الذكريات والأحاسيس، وحينما طالع كُتب الرحالة الذين زاروها، وجد أن نصوصهم التي كتبت يوميات، تفيض شعراً آسراً. وحينما قرأ بعض ما كُتب عن اليمن، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. بدا له أن سمة تاريخ اليمن السعيد، هي «اللاثبات»! والمقلق في اليمن كما يعبّر الدخيل، أنه البقعة التي تمدّ الأمم بالطاقة، ولا تستطيع إنعاش نفسها، لهذا بقيت الدولة الأكثر إثراء، والأقل ثراء، مع أنها ذات طبيعة غنية وساحرة، كان باستطاعة المجتمع اليمني، الخروج من شبح الفقر، عبر فرص كثيرة، لولا التوتر السياسي، الذي لم يهدأ حتى اليوم، فمعادلة «الاتصال والانفصال» بين اليمنين، تؤرّق كل المتابعين. واليوم يساهم تمرد «الحوثيين» في بعثرة أوراق السلطة وإرهاق الأمن الاجتماعي، وإعادة شبح الكوارث، مع مئات الألوف من المهجَّرين داخل بلادهم. ويعتبر أن أكثر ما جذبه للكتابة عن اليمن، هو ذلك الحراك الذي لا يفهم، فقد بقي اليمن محور اهتمام العالم، والى اليوم لا ينقضي أسبوع، إلا ويحدث فيه ما هو جدير بالرصد والتغطية. ويعترف أن رحلة اليمن منتصف التسعينات كانت معجونة ببدايات تجربته الصحافية مع جريدة «المسلمون». وقد أمدّته بمعارف إنسانية وخبرات مهنية، يدين لها بالكثير من الفضل. أما المقالات والمقابلات التي تضمّنها الكتاب فهي تشمل كافة النواحي اليمنية، سياسياً واجتماعياً ودينياً وثقافياً. ويكتب في مقالة عنوانها «القات يسعد اليمنيين أم يقتلهم؟» متوقفاً عند ظاهرة القات التي يتميز بها اليمن: «الشعب الذي يعيش معظمه تحت خط الفقر، كريم حد الإسراف، والأسرة التي تئن من الغلاء، لا تجد غضاضة في أن يكون القدرُ الأكبر من موازنتها مُستهلكاً في سبيل مضغ القات، من قبل الرجال والنساء، سواء بسواء، مثلاً بمثل، بل ويضاف إليهم الأطفال أيضاً! يتكئ اليمنيون على أرائك مقيلهم، حيث مجالس القات، من منتصف النهار حتى أوقات متأخرة من الليل أحياناً، ويخوضون في حديث سياسي لا سقف له. الجميع يتحدث في السياسة، الصغير والكبير، الغني والفقير، الوزير والغفير، الجاهل والمتعلم، ولدى كل يمني تحليل شخصي للأحداث الداخلية والخارجية، وتحتل نظرية المؤامرة حيزاً كبيراً من هذه التحليلات، فالإسلاميون يرون «أذناب الإمبريالية» يسعون في البلاد فساداً، واليساريون يرون «القوى الظلامية» يعودون بالمجتمع الى الوراء، والمثقفون يعتقدون أن «السياسي قَلَّص أدوار المثقف، خوفاً منه». يندر أن تسمع أحاديث النخب الموغلة في السياسة، والمتشربة بالأدلجة بين اليمين واليسار، أي حضور للتنمية، أو التعليم، أو رفع مهنية المجتمع بعامة، أو المواطن اليمني في شكل خاص!».